فأما الآيات الأخرى كقوله تعالى:{لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ}[يس: ٦٠] فلا إشكال فيها، لأن العبادة معروفة، كما تقدم، وليس طاعته في المعصية منها، وإن كانت منهيًّا عنها بغير هذه الآية.
كما أن قوله تعالى:{وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا}[النساء: ٣٦] الشرك فيها معروف، وليس منه الصغائر اتفاقًا، وإن كانت منهيًّا عنها بغير هذه الآية.
ومما يوضح ما تقدم أن الله عز وجل جعل طاعة الأحبار والرهبان في شرع الدين عبادةً لهم. قال تعالى في أهل الكتاب:{اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا}[التوبة: ٣١].
وقد ذكر عدي بن حاتم للنبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنهم لم يكونوا يعبدون الأحبار والرهبان، فبيَّن له النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - أنهم كانوا يُحِلُّون لهم ما قد عرفوا أنه حرام فيستحلونه، ويحرِّمون عليهم ما قد عرفوا أنه حلال فيحرمونه، ثم قال:"فتلك عبادتهم"(١).
وجعل الله تعالى طاعة الرؤساء في شرع الدين عبادة لهم، وطاعة الهوى عبادة له. وقد أوضحت جميع ذلك في رسالة "العبادة".
(١) أخرجه الترمذي (٣٠٩٥) والبيهقي في "السنن الكبرى" (١٠/ ١١٦) وغيرهما، قال الترمذي: "حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث عبد السلام بن حرب، وغطيف بن أعين ليس بمعروف في الحديث". وللحديث شواهد وطُرق يحسَّن بها، انظر "السلسلة الصحيحة" (٣٢٩٣).