للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما دلائل عصمة الملائكة فقد تقدَّمَتْ.

الأمر الثاني: أنه لو صرف النظر عن العصمة وجُوِّزَ عليهما الكفر فكيف يقولان: {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ}، فينهيان عن الكفر مع تلبسهما به؟

[١٥٦] الأمر الثالث: قولهما: {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ} و {إِنَّمَا} للحصر، أي: ما نحن إلا فتنة، فيُفْهَم من ذلك نَفْيُ كونهما معلِّمين على الحقيقة، وعلى هذا المعنى فـ (ما) في قوله: {وَمَا أُنْزِلَ} نافية. والله أعلم.

وإذ قد اتضح بحمد الله تعالى معنى الآية فلننظر في الآثار الواردة عن قصَّة هاروت وماروت مع الزُّهَرَةِ, فأقول:

ساق الإمام أبو جعفر بن جرير رحمه الله تعالى في تفسيره (١) الآثار المذكورة ولم يعرض لها مع جزمه بعصمة الملائكة عليهم السلام، وقد ردَّها جماعة كالقاضي عياض والفخر الرازي، نقله الآلوسي في تفسيره قال: "ونصَّ الشهاب العراقي على أن مَنْ اعتقد في هاروت وماروت أنهما مَلَكَان يُعَذَّبان على خطيئتهما مع الزُّهَرَةِ فهو كافر بالله تعالى العظيم؛ فإنَّ الملائكة معصومون، {لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: ٦]، {لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلَا يَسْتَحْسِرُونَ (١٩) يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ} [الأنبياء: ١٩ - ٢٠]، والزُّهَرَة كانت يوم خلق الله تعالى السموات والأرض، والقول بأنها تمثَّلت لهما فكان ما كان وَرُدَّتْ إلى مكانها غير معقول ولا مقبول".


(١) ١/ ٣٤٣ - ٣٤٨. [المؤلف]