للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فتخصَّص بأدلة العمل بأخبار الثقات، ولاسيما عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم -. كيف وقد خصصت بغير ذلك من النصوص إجماعًا، وذلك بجواز أو إيجاب العمل بالظن الغالب في أشياء، كالدلائل الظنية من الكتاب والسنة المعلومة، والقضاء بالشهادة، وعمل العامي بفتوى المجتهد، والاعتماد في الصلاة والصوم على الأذان، واشتراء الأشياء ممن هي في يده مع احتمال أنه سرقها أو غصبها مثلًا، واشتراء اللُّحمان مع احتمال أنها ميتة أو لحم ما لا يحل، وقتل من نراه مع العدو في صفهم إذا لم نعرف أنه مسلم، والرأي في الحرب مع ما فيه من المخاطرة بالمسلمين، وغير ذلك.

وشكك بعضهم في هذا بأن للخصم أن يقول: إنما أقبل من هذا ما ثبت وجوب العمل به بدليل قاطع، كالدلائل الظنية من القرآن، ولا أجيز تخصيص الدلائل الظنية من القرآن إلا بدليل قاطع، أو بما قام على وجوب العمل به دليل قاطع.

أقول: لا حاجة للمناقشة مع هذا، بل يكفينا هنا ما يأتي.

الثالث: أن العمل بخبر الثقة ــ ولاسيّما الأحاديث الصحيحة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ــ ثابت بحجج تفيد العلم، كما يأتي إن شاء الله تعالى. وعليه فالعمل به اتباعٌ للعلم. أولا ترى أن القاضي إذا قضى في الأموال مثلًا بشهادة عدلين، فقد قضى بما أنزل الله عز وجل قطعًا، وإن كان صدق الشاهدين مظنونًا فقط. فهكذا مَن عمل بخبر الثقة فيما قامت الحجة القطعية على وجوب العمل بخبر الثقة من (١) جنسه، والله أعلم.


(١) في الأصل: "في".