ونظيره: شهادة شاهدين مستجمعة للشرائط، بأن زيدًا هو قتل عمرًا المكافئ له عمدًا وعدوانًا. فإنه إذا طلب الورثة كلُّهم القصاص كانت تلك الشهادة بمعونة الحجة القاطعة على وجوب العمل بمثلها تفيد العلم بوجوب الحكم بقتل زيد، فتدبَّر.
الثاني: أنه يفيد العلم بالمعنى الذي يقوله متأخرو الحنفية، تبعًا لمشايخ العراق من متقدميهم، في نحو دلالة العموم الذي لم يخص من الكتاب أنها قطعية تفيد العلم.
ويُفسِّرون ذلك بأن احتمال خلافها احتمال غير ناشئ عن دليل. يريدون أن المجتهد إذا وقف على آية تفيد حكمًا عامًّا، وبحثَ فلم يجد ما يدل على أن ذاك عام مراد به الخصوص، أو عام مخصوص= لم يبقَ بينه وبين اليقين الباتِّ إلا احتمالُ أن يكون هناك دليل لم يقف عليه، أو لم يتنبه له. فلم يعتدُّوا بهذا الاحتمال، وقالوا: إن دلالة العموم حينئذٍ قطعية تفيد العلم.
فالحاصل أنهم أرادوا قطعًا وعلمًا غير المشهورينِ، ثم قالوا: لا يجوز تخصيصُ عامٍّ في القرآن بخبرِ واحدٍ؛ لأن خبر الواحد إنما يفيد الظن.
فكأن القائلين بأنه يفيد العلم أرادوا دفْعَ كلام أولئك، فقالوا: بل إن خبر الواحد ــ بشرطه ــ يفيد العلم، أي علمًا كالعلم الذي يفيده العموم.
وذلك أن وجوب العمل بخبر الواحد قطعي، وإنما لا يفيد هو اليقينَ لاحتمال أن بعض الرواة أخطأ أو غلط، وهذا احتمال غير ناشئ عن دليل، فكما لم يعتدُّوا بالاحتمال الناشئ عن غير دليل في دلالة العام، فكذلك في ثبوت خبر الواحد بشرطه. وتخصيص العمومات أكثر من غلط الثقات،