فأما إذا كان الحديث الواحد الذي وقفت عليه لم يثبت من جهة أخرى فالتوثيق أبعد وأبعد؛ إذ ليس في رواية ذلك الراوي ذلك الحديثَ دلالةٌ ما على صدقه وضبطه.
ثم ما يُدرِيك؟ لعلك فهمت من ذلك الحديث معنى لم تنكره، ولعل من بعدك يفهم منه ما ينكر، ثم يحتج به على ذلك، عملًا بتوثيقك ذلك الراوي.
وهكذا الكلام فيما إذا وقف المحدث للراوي على حديثين فقط، ويبقى النظر فيما زاد. وسيأتي.
ولِما ذكرنا ونحوِه تجد ابن حبان ربما يذكر الرجل في "الثقات"، ثم يذكره في "الضعفاء"، وربما يجعل الواحد اثنين، فيذكره في "الثقات" برواية، ويذكره في "الضعفاء" بأخرى.
والذي تبيَّن لي أن ابن حبان لم يلتزم الاعتبار، بل أخذ "التاريخ الكبير" للبخاري، ونقل غالبه إلى "الثقات". وكثير ممن أخذه عن "تاريخ البخاري" وذكره في "الثقات" لم يعرفه ابن حبان، ولا عرف ما روى، بل وكثير منهم لم يعرف عمن رووا ولا من روى عنهم.
وعادته فيمن ذكره البخاري ولم يذكر عمن روى ولا من روى عنه أن يقول:"روى المراسيل، روى عنه أهل بلده". كما أن عادة ابن أبي حاتم في بعض هؤلاء أن يدع بياضًا.
فإنما يقوى توثيق ابن حبان في حق المشاهير الذين يغلب على الظن أنه اطلع على الكثير من حديثهم.