يضل المؤمنين قبلَ غيرهم، لأنهم هم الذين يسارعون إلى تصديق القرآن والعمل به.
وإنما الإضلال بالقرآن على وجهين:
الأول: أن يكون فيه ما يستنكره مَن في قلبه ريب، أو يخالف هواه لتقليدٍ أو إعجابٍ برأي أو غير ذلك.
الثاني: أن يُنزِل الله تعالى آية إذا سمعها المؤمن وتدبَّرها، ونظر في سياقها وفي الآيات الأخرى، عرف المراد بها فاهتدى بها، وإذا سمعها الكافر أو الضال رأى أنها تحتمل ما يُوافق هواه، فتمسَّك بها اتباعًا لهواه لا إيمانًا بكتاب الله.
فتدبَّر الآيات المتقدمة، وانظر ما فتح الله عليَّ، تجدْه هو الحق بحمد الله عزَّ وجلَّ، فإياك أن تكون من القسم الأخير، فتضلَّ بقوله عز وجل:{يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا}، فتكونَ من ذلك الكثير.
ثم ارْجعِ النظرَ، فانظر مَن هو المستحق لأن يهديه الله تعالى وأن يكون القرآن له هدًى، ومَن هو المستحق أن يضلَّه وأن يكون القرآن له عَمًى؟ وقد قال تعالى: {الم (١) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (٢) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [أول سورة البقرة]، فهل الأحق بالهدى والاهتداء بالقرآن مَن يؤمن بالله وكتابه ورسوله، ويجعله إمامًا لا يطلب منه بدلًا، ولا يرضى بغيره حَكمًا، ولا يطلب على صدقِ خبر الله عزَّ وجلَّ دليلًا، ولا يتوقف عن الأخذ به لاحتمال أن يكون تلبيسًا، ولا يردُّه لمخالفته قولَ أفلاطون وأرسطو، والفارابي