للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ص ٤٧] (١) فقد كانوا يتشبثون بأوهن الشبهات، فلولا أنه كان معروفًا عندهم، مشهورًا بينهم أن تأخير البيان إلى وقت الحاجة لا يُعدُّ كذبًا ولا تلبيسًا ولا تناقضًا؛ لشنَّعوا في النصوص التي جاءت على ذلك الوجه.

ومع هذا فقد ذهب كثير من أهل العلم إلى منع تأخير البيان عن وقت الخطاب، وأجابوا عن تلك النصوص بما هو معروف.

ومن الضرب الثاني من المجمل: ما روي أن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - كان إذا أراد غزوة ورَّى بغيرها (٢).

ومثَّل أهل العلم لتلك التورية بأن يسأل عن جهة أخرى غير التي يريدها، أي بأن يسأل عن طرقها ومياهها، وغير ذلك من أحوالها.

وذلك أنه كان إذا أراد غزوة أمر أصحابه بأن يستعدوا ويتجهزوا، فيخشى أن يكون هناك من يتجسس للقوم الذين يريد غزوهم، فيذهب فينذرهم فيستعدوا ويتحرزوا، فيسأل - صلى الله عليه وآله وسلم - عن جهة أخرى عسى أن يسمع المتجسسون سؤاله، [ص ٤٨] فيستنبطوا منه احتمال أنه إنما يريد غزو تلك الجهة التي سأل عنها.

ففي هذا أولًا: أن سؤاله عن الجهة ليس بخبر.

وثانيًا: الخبر الذي يدل عليه محتمل، فقد يسأل عن تلك الجهة خوفًا من أهلها أن يسمعوا بخروجه من المدينة إلى الجهة التي قصدها، فيخالفوه إلى المدينة، فيسأل عن جهتهم؛ ليعلم أيخشى منهم ذلك أم لا.


(١) من هنا تبدأ القطعة الرابعة من الكتاب. والكلام الذي قبلها في القطعة الثانية، وتكرَّر جزء منه لأن المؤلف كتبه مرةً ثانية.
(٢) سبق تخريجه قريبًا.