للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابن عباس (١) ما ينص على أن الكلام على الإخبار، وأن إبراهيم فعل ما يوافق ذلك. ولم يذكر ابن جرير عن أحدٍ من السلف خلافه.

ومع هذا، فمن مال إلى هذا التأويل من أهل النظر وجهوه بأن إبراهيم أراد في نفسه الاستفهام، وأراد في الظاهر إيهام قومه أنه موافق لهم، ليكون ذلك أقرب إلى جرِّهم إلى الحق. وعلى هذا، فهذه الكلمة بل الكلمات أشدُّ من تلك الثلاث، والحديث السابق يأبى ذلك، كما مر.

فإن قيل: أفليس الأنبياء معصومين من الكفر مطلقًا؟

قلت: ليس هذا بكفر في حكم الشرع؛ فإن إبراهيم عليه السلام قال ذلك قبل أن يفرض عليه، فضلًا عن أن تقوم عليه [حجة] بنظرٍ ولا غيره، وهو حريصٌ على معرفة الحق، باذلٌ وُسْعه في تحصيلها، صادق العزم على اتباع الحق على كل حال، ليس في نفسه شائبة هوى في غير الحق. فإن كان ذلك في الطفولة، فالأمر واضح.

فإن قيل: فعلى هذا أيضًا يبقى الإشكال بحاله، أو أشد؛ فإن قوله: «هذا ربي» يكون خبرًا مخالفًا للواقع ظاهرًا وباطنًا، وتلك الثلاث إن كان الخبر فيها بخلاف الواقع فظاهرًا فقط.

قلت: تلك الثلاث كانت عمدًا، أي أن إبراهيم كان يعلم أن الظاهر غير واقع، وأما قوله: «هذا ربي» فخطأٌ محضٌ غير مُؤاخَذٍ به.

والمتبادر من قولهم: «لم يكذب فلان» نَفْي أن يكون وقع منه إخبارٌ بخلاف الواقع يلام عليه.


(١) أخرجه الطبري (٩/ ٣٥٦) وابن أبي حاتم في تفسيره (٤/ ١٣٢٨، ١٣٢٩).