نعم، في بقية كلام محمد بن مسلمة في رواية البخاري في المغازي (١): «وإني قد أتيتك أستسلفك ... وقد أردنا أن تُسلِفنا وسقًا أو وسقين ... » ثم ذكر طلب كعبٍ الرهن، وجواب محمد وأصحابه، وفيه:«ولكنا نَرْهنك اللَّأمة».
أقول: كان مجيء محمد بن مسلمة ومن معه إلى ابن الأشرف مرتين، جاءوه أولًا وليس معهم سلاح؛ ليطمئن إليهم، وسألوه أن يُسلِفهم طعامًا، كأنهم قد علموا أنه سيطلب منهم الرهن، فيقررون معه أن يرهنوه سلاحًا، فإذا وافقهم على ذلك رجعوا، ثم عادوا إليه ومعهم السلاح؛ ليظن أنهم جاءوا به ليرهنوه، فلا يحذر منهم، فكان الأمر كما ظنوا، استسلفوه فطلب منهم الرهن، فقاولوه إلى أن قالوا: نرهنك اللأمة، أي السلاح، فقبل، فذهبوا وعادوا بسلاحهم، فدعَوه فخرج إليهم فقتلوه.
فقول محمد:«أتيتك أستسلفك» صدق؛ لأنه جاء أولًا ليستسلفه، أي: يطلب منه أن يُسلِفه، وإن كان مقصوده بطلب السلف ما قدمنا.
أما قوله:«وقد أردنا أن تسلفنا»، فإرادة الإنسان لفعل غيره قد تكون بمعنى الطلب، تقول: أردت من زيد أن يقوم، أي: طلبت منه أن يقوم. وقد تكون بمعنى المحبة. فإن كانت هناك بمعنى الطلب فهو صحيح؛ لأنهم طلبوا أن يسلفهم، [ص ٧٦] وإن كانت بمعنى المحبة فلا مانع من أن يكونوا يحبّون أن يُسلفهم، وإن لم يجيئوه لذلك.