[ص ٨٥] ضرر على الإنسان نفسه في دنياه جاز له أن يكذب ويتحملها، وإلا فلا.
وتفصيل هذا يطول، غير أني أقول: لا يصح إطلاق القول الثاني، فإن قولهم:«إذا تعارضت مفسدتان تعيَّن دفع الكبرى» ليس على إطلاقه، وإن كثرت شواهده.
فلو اتفق لك في قضية تعلم منها أنك إن كذبت قُتل رجل واحد ظلمًا، وإن لم تكذب قُتل رجلان آخران ظلمًا، فمفسدة قتل رجلين أشد من مفسدة قتل رجلٍ، ولكن لا قائلَ ــ فيما أعلم ــ بجواز الكذب.
وقد يقرب هذا إلى الفهم بأنك لو كذبت فقُتل زيد بسبب كذبتك، فقد أثمتَ بتسبُّبِك في قتله، وإن لم تكذب فقُتل بكر وخالد ظلمًا، ولم تكن قادرًا على تخليصهما إلا بأن تعرِّض زيدًا للقتل، فلا إثم عليك؛ لأنك لم تتسبب في قتلهما، وعدم تسببك في خلاصهما إنما كان لعجزك، لأنك عاجز شرعًا عن الكذب الذي تعرِّض به زيدًا للقتل ظلمًا.
هذا، وقد طال الكلام في هذا المطلب، ولم أبلغ منه كل ما أريد، وأرجو أن أكون قد قاربت، والله الموفق.