للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ص ٥] أقول: وثَمّ أحاديث أُخرى يؤخذ منها جواز ما ذكر، وفي قصص الأنبياء الثابتة في الكتاب والسنة ما يفيده، ولاستيفاء ذلك موضع آخر.

وأمّا الأمور الدنيوية فجواز الخطأ فيها أشهر، فمن ذلك أنّ النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - لما ورد المدينة رآهم يؤبِّرون النخل، فظن أن لا حاجة لذلك؛ لأنّه كان قد رأى كثيرًا من الأشجار فرآها تؤتي ثمرها بدون تأبير، فقال لبعضهم: «ما أظن يغني ذلك شيئًا» فتركوا ذلك. فخرج شِيصًا، فمرّ بهم فقال: «ما لنخلكم؟ » قالوا: قلت كذا وكذا، قال: «أنتم أعلم بأمر دنياكم». وفي رواية: «إنما ظننتُ ظنًّا، فلا تؤاخذوني بالظن، ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئًا فخذوا به، فإني لن أكذب على الله عزَّ وجلَّ». وفي رواية: «إنّما أنا بشرٌ، إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنّما أنا بشر».

والحديث في «صحيح مسلم» (١) وغيره من حديث أم المؤمنين عائشة وطلحة بن عبيدالله وثابت بن قيس ورافع بن خَدِيج رضي الله عنهم.

وقوله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «فإني لن أكذب على الله عز وجل» يريد الكذب خطأ، فأما الكذب عمدًا فقد علم براءته منه مطلقًا، ومفهوم تلك العبارة جواز الكذب خطأً في الأمور الدنيوية كما هو واضح.

وعُلم من هذه القصة أنّه لا يلزم تنبيه الله عز وجل على الخطأ في الأمور الدنيوية فورًا بخلاف الأمور الدينية كما مرّ.

وعُلِم منها أيضًا أنّ المراد بالأمور الدنيوية ما كان دنيويًّا بالذات وإن تفرّع عليه أمرٌ له مساس بالدين، فترك التأبير يلزمه نقص الثمر، وفيه شبه


(١) بأرقام (٢٣٦١، ٢٣٦٢، ٢٣٦٣).