للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ترضع، فلم يقربْها حتى دفعت ابنتها إلى مرضعة أخرى (١)! واسترضع - صلى الله عليه وآله وسلم - لابنه إبراهيم (٢)، وجاء عن الصحابة ما يوافق هذا، فجاء عن أمير المؤمنين علي عليه السلام أنّ رجلًا أخبره أنه حلف لزوجته أن لا يقربها حتى تفطم ولدها.

فقال له: إنّ هذا ليس بإيلاء، إنّما أردت الإصلاح، أو كما قال (٣).

ويؤخذ من هذه الأحاديث ما أخذ من حديث التأبير أنّ الخطأ في الأمور الدنيوية لا يلزم التنبيه عليه فورًا، وأنّ الحكم يتناول كل ما كان دنيويًّا بالذات، وإن نشأ عنه ما له مساس بالدين، فإنّ إلحاق الضرر بالولد لا يجوز في الدين.

[ص ٦] وإيضاح هذا البحث أنّ من الأحكام الشرعية ما يكون مبنيًّا على معنى يوجد بوجوده، ويعدم بعدمه، ويوكل الحكم بوجود المعنى أو عدمه إلى اجتهاد المكلف، فقد ينظر النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - إلى صورة من الصور بصفته مكلفًا من المكلفين فيظهر له أن ذلك المعنى موجود فيها والواقع خلافه، أو أنّه مفقود والواقع خلافه، مع إعلامه بأنّ المدار على وجود المعنى، فإضاعة المال والإضرار بالأطفال منهي عنهما في الشرع، ولا يجوز أن يقع الخطأ من النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - فيخبر بأنهما جائزان، ولكن النظر في كون هذا الفعل إضاعة للمال أو يلزمه ذلك، أو ضررًا بالطفل أو يلزمه ذلك= موكول إلى المكلف، فنظر - صلى الله عليه وآله وسلم - بصفته مكلفًا، فظن أنّ ترك التأبير ليس فيه إضاعة للمال ولا تلزمه


(١) انظر «السنن الكبرى» للنسائي (٨٩٢٦).
(٢) كما في «صحيح مسلم» (٢٣١٦).
(٣) أخرجه عبد الرزاق في «المصنف» (١١٦٣٢) وسعيد بن منصور في «سننه» (١٨٧٤) والبيهقي في «السنن الكبرى» (٧/ ٣٨٢).