للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمهم أن حكاية الأصوات لا تفسر لنا إلا جزءًا ضئيلًا جدًّا من اللغة.

وذكر أئمة العربية (١) وجهًا آخر وهو المناسبة بين الألفاظ والمعاني من جهة اختلاف صفات الحروف وترتيبها وحركاتها، ذكر ابن جنى في الخصائص طائفةً من ذلك (٢).

وهذا أيضًا وجيه، ولكنه لا يفي إلا بجزء ضئيل أيضًا، وقد خطر لي وجه ثالث ــ لم أر من تعرض له ــ وهو الإشارة.

لا ريب أننا إذا تصورنا أناسًا لا يعرفون لغةً علمنا أنهم يحاولون التفاهم بالإشارة مع التصويت، كما نشاهده من البكم. وكما تكون الإشارة باليد فكذلك تكون بالرأس (٣)، وقد تكون باللسان، وحريٌّ بأولئك الأناس إذا خطر لهم أنه يمكنهم توزيع الأصوات على الأشياء، حتى يكون لكل شيءٍ


(١) كسيبويه، والخليل، كما في الكتاب (٤/ ١٤)، وابن قتيبة في أدب الكاتب (ص ٢٠٠)، في باب الأسماء المتقاربة في اللفظ والمعنى، وابن جني في الخصائص (٢/ ١٥٢)، وابن القيم في عدة مواضع من كتابه بدائع الفوائد (١/ ٨٩) (٢/ ٣٨٤)، وجلاء الأفهام (ص ٦٧).
(٢) على سبيل المثال: «الخضم لأكل الرطب، والقضم للصلب اليابس، والنضح للماء ونحوه، والنصخ أقوى من النضح، ومن ذلك القد طولاً، والقط عرضًا، ومن ذلك قرت، وقرد، وقرط .. إلى غير ذلك من الأمثلة التي أوردها ابن جني في الخصائص (٢/ ١٥٧)، وانظر أيضًا: أدب الكاتب لابن قتيبة (ص ٢٠٠).
(٣) راجع: لسان العرب (٤/ ٤٣٦)، والقاموس (ص ٤٢١)، وفي كتاب العلم من صحيح البخاري، باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس. وذكر حديث عائشة: « ... فأشارت برأسها، أي: نعم ... الحديث».