للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأصوات الهمزةُ المفتوحةُ، وفتحوا النون أيضًا ليرتفع الصوت بالنون شيئَا فقالوا: «أنَ» (١)،

ويمكن التطرق إلى بقية الضمائر. «أنتَ ــ أنتِ ــ أنتُم» وليس من الصعب توجيه ذلك (٢).

ومن ذلك اسم «الماء» فإنَّ الماء يُشْرب بالامتصاص، وأقرب إشارة إلى المصِّ بأعضاء الفم أن تجتذب شفتيك إلى داخل الفم، وإذا فعلت ثم حاولت فتح الفم قليلاً لإخراج صوتٍ كان أقرب الأصوات «ما» (٣)، وقد


(١) للعرب في «أنا» لغاتٌ، أجودها: أن تحذف الألف عند الوصل، وتثبت عند الوقف، والثانية: أن تثبت الألف وقفًا ووصلاً. والثالثة: بوزن «مَنْ». والرابعة: بمد الألف الأولى «آنَ». والخامسة: بقلب الهمزة هاءً «هَنَا». وزاد بعضهم «أنهْ» بهاء السكت.

انظر: اللسان (١٣/ ٣٧)، وشرح التسهيل لابن مالك (١/ ١٤٠).
(٢) يقال ــ على ما قرره المؤلف ــ: إن أصل الضمير في القول الراجح الهمزة والنون، ثم لما أرادوا خطاب المذكر حاولوا الإشارة إليه باللسان، فوجدوا أيسر الحروف لأداء هذا المعنى هو التاء، ثم ناسب أن يفتحوها لأن المخاطب مذكر، وهو عالٍ، فجعلوا الأعلى للأعلى، ولأن فتح التاء يجعل اللسان يتقدم نحو خارج الفم مما يؤدي إلى تقوية الإشارة إلى المخاطب باللسان. وكذا يقال في ضمير المخاطبة «أنتِ» سوى أنهم جعلوا الأسفل ــ وهو الكسر ــ للأسفل ــ وهو المؤنث ــ.
وأما «أنتم» فالكلام فيه كالكلام في مفرده، إلا أنهم لما أرادوا الإشارة باللسان إلى جمع المخاطبين أتوا بحرف «الميم» الذي يدل على الجمع، ومخرجها يقتضي هذا ــ كما قرره ابن القيم في جلاء الأفهام (ص ٦٧) ــ ويمكن أيضًا أن يقال في ضمير الرفع المتكلم المتصل الذي في نحو «ضربتُ» إنهم خصوه بالضم؛ لكون اللسان يرجع إلى الباطن مما يشعر أن المتحدث يشير إلى ذاته وشخصه بلسانه من داخل.
(٣) لذلك كان بعض العرب يقصر لفظ «الماء»، فيقول: «اسقني ما»، كما جاء في لسان العرب (١٣/ ٥٤٣).
وههنا لطيفة تناسب المقام، وهي: أن العرب تُشبّه صوت الظبي بلفظ الماء، قال أبو علي القالي في المقصور والممدود (ص ٣١٥): «والماء: حكاية صوت الظبي، قال ذو الرمة:
لا يرفع الطرفَ إلا ما تخوَّنه ... داعٍ يناديه باسم الماء مبغومُ
ومثله قوله أيضًا:
ونادى بها ماءٍ إذا ثار ثورة ... أُصَيْبحُ قوَّامٌ يقومُ فَيَخْرِقُ
وقال لي أبو المياس: الماء المشروب مفخم، والماء حكاية صوت الظبي ممال». اه.