للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال النحاة: إن محل الهمزة بعد هذه الأحرف ولكنها قُدِّمت لأصالتها في الصدارة (١).

فعلى هذا ظهر لي أن أداة النفي التي تتقدم «كاد» كان موضعها بعد «كاد»، ولكنها قُدِّمت للعلة التي منعتهم من أن يأتوا بعد «كاد» بأداة نفي كما تقدم (٢).

وهذا الامتناع يدل على ما أزعمه من التقديم وعلى هذا فقولنا: «ما كاد ينجح» أصله ــ لو عبَّرنا بـ «قارب» ــ «قارب أن لا ينجح»، وقد تقدم أن «قارب أن لا ينجح» يفهم الإثبات بالاتفاق (٣)، فكذلك «ما كاد ينجح»؛ لأن الأصل «كاد لا ينجح» (٤).

ثم قرأت في مفردات الراغب (٥): «كاد لمقاربة الفعل، يقال: كاد يفعل


(١) هذا قول سيبويه والجمهور، وخالف الزمخشري والبيضاوي، فذهبا إلى تقدير جملة بعد الهمزة لائقة بالمحل، وقيل: إن الزمخشري رجع عن هذا، كما قال ابن مالك في شواهد التوضيح (ص ٦٤ - ٦٥). وانظر الجنى الداني (ص ٣١)، والهمع (٤/ ٣٦٠).
(٢) قد وافق المؤلفَ على هذا الرأي الأستاذُ محمد الطاهر بن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير (١/ ٥٥٩)، وقرر هناك ما ذهب إليه المعلمي. راجع المقدمة.
(٣) انظر (ص ١٨٣)، وليس فيه ذكر الاتفاق فيما يخص الوجه الثاني من استعمالات «كاد».
(٤) لعلَّ الأحسن أن يقال: لأن الأصل: «كاد ما ينجح».
(٥) أبو القاسم الحسين بن محمد بن المفضل الراغب الأصفهاني، صاحب التصانيف المشهورة، ككتاب الذريعة، ومحاضرات الأدباء، والمفردات، وغيرها، كان عالمًا باللغة والأدب والتفسير، توفي سنة (٥٠٢ هـ)، وقيل: إنه توفي في أوائل القرن الخامس.
انظر: بغية الوعاة (٢/ ٢٩٧)، ومفتاح السعادة (١/ ٢٠٩).