للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

منزل عليك, هذا وهو مولود من امرأة، وكان متصفًا بالصفات البشرية, ونحن إنما قلنا مثل هذه المقالة في الملائكة المقرَّبين الذي ليسوا بشرًا ولا وُلدوا من بشريّات، فهم خير من عيسى، فهم أولى بالولديَّة والألوهيَّة منه، فكيف تنكر علينا؟

ثمَّ وجدتُ ابن جرير قال في تفسيره: حدَّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد في قوله: {أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ} قال: عبد هؤلاء عيسى ونحن نعبد الملائكة (١). وهو عين ما فهمتُه، ولله الحمد.

[س ٤٧/ب] فقال الله تعالى: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}، والمعنى في ذلك ــ والله أعلم ــ أنه لا متمسَّك لهم فيما أُنزل عليك في عيسى؛ لأن الذي أُنزل عليك في شأنه من كونه قيل فيه: إنه ولد الله، وإلهٌ من دونه, ليس فيه إثبات ذلك ولا تصديقه حتى يكون لهم في ذلك متمسَّك. مع أنَّ الآيات ظاهرة صريحة في إبطال ذلك، ولم تُسَقْ [إلا مساق الإبطال] (٢)، وإنما [ضربه] مثلًا [قصد به] بطلان [ذلك]، وهم يعلمون ذلك، وإنما يتعامون.

{مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا} أي لم يحملهم على ذلك القول إلا إرادة الجدل، وإرادة الجدل لذاته مذمومة غاية الذم؛ لأن صاحبها لا يبالي أهو محقٌّ أم مبطل، وإنما غرضه أن يغلب.

{بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} والخصيم هو كثير الخصومة، لا يبالي أكانت


(١) تفسير الطبري ٢٠/ ٦٢٧.
(٢) ما بين المعقوفتين هنا وما بعده في الفقرة لم يظهر بسبب بلل في أعلى الصفحة.