للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالاستحياء إن أطاعه, فأجابه الخليل عليه السلام بذلك، أي إنك لستَ إلَّا عبدًا من عباد الله، إن شاء حياتي لم تقدر على قتلي (١)، وإن شاء قتلي لم تقدر على استحيائي, فالأمر لله عزَّ وجلَّ وحده. واستعمال الإحياء بمعنى التسبُّب في بقاء الحياة معروف. قال الله عزَّ وجلَّ: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: ٣٢].

ويَرِدُ على الأول أنه يقتضي أن المحاجّ زعم أنه هو الذي يحيي ويميت في العالم كلِّه، وهذا باطل.

أوَّلًا: لما تقدَّم أن قومه كانوا يعترفون بالله في الجملة، ثمَّ يؤلِّهون الكواكب ويعظِّمون الأصنام.

وثانيًا: لو كان ملكهم يدَّعي الربوبية العظمى لما تركهم يعبدون غيره. [وإنما أقصى] ما رُوي أنه دعا برجلٍ فقتله، ودعا برجلٍ يستحقُّ القتلَ فأطلقه. وهذا ليس فيه أدنى شبهة تدلُّ على أن الذي يفعل ذلك هو الذي يحيي ويميت في العالم. ورمي الرجل بالبلادة إلى هذه الدرجة يكاد يكون بلادة. والله أعلم.

وثالثًا: لو كان الأمر كذلك ما كان هناك داعٍ للخليل عليه السلام إلى


(١) اخترتُ هذه العبارة لأن القرآن استعمل نحوها في هذا المعنى، كقوله تعالى: " ... "، ولأنها لا تخالف مذهبًا من مذاهب المسلمين في القدر. [المؤلِّف]. ولعلَّ الآية التي بيَّض لها المؤلِّف هي قوله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: ٣٢]؛ لأن فيها ذكرَ القتل مقابل الإحياء في حقِّ المخلوق.