وينشأ عن ذلك سؤال آخر، هو أن هذه الخطب التي وجدت في مكتبة الحرم المكي الشريف في أوراق متفرقة، مختلفة في الطول والعرض واللون والشكل، مشطورة أو منهوكة، متمزقة أو مهترئة أحيانا من أوساطها أو أطرافها= هل هي كل خطب الشيخ، أو طارت ببعضها هُوج الرياح العواصف؟
قد توجه الشيخ بعد وفاة الإدريسي إلى الهند مصطحبًا كتبه ومؤلفاته ودفاتره، ومكث هناك خمسًا وعشرين سنة يصحح ويؤلف، ثم رجع إلى الحجاز يحمل رصيدًا جديدًا من كتب ومؤلفات ودفاتر ومذكرات بالإضافة إلى الأوراق القديمة، واحتفظ بها معه في مكتبة الحرم المكي الشريف إلى أن توفي في المكتبة سنة ١٣٨٦، فهذه خمس وأربعون سنة، والآن قد مضى على وفاته ٤٧ سنة أخرى= فمن المحال، بعد هذه المدة المديدة من الحل والترحال، أن تبقى تلك الأوراق المنثورة التي لم تضمها دفتان مجتمعة ومصونة من الضياع والتمزق والتأكل وغيرها من ضروب الاختلال. يؤكد ذلك أن بعض الخطب لم يوجد إلا نصفها أو جزء منها، فلا يبعد أن تكون خطب كاملة قد ضاعت.
أما الخطب التي وصلت إلينا فلا تزيد على ٥٦ خطبة غير الخطب الثواني، ومعنى ذلك أنها لا تكفي لأكثر من سنة وشهرين. وهذا يساعدنا على الإجابة عن السؤال الأول، وهو: هل يمكن تحديد زمن هذه الخطب من السنوات الخمس التي قضاها الشيخ في إمارة الإدريسي؟
يبدو لي ــ والله أعلم ــ أن زمنها يمتد من شهر جمادى الآخرة سنة ١٣٤٠ إلى شهر شعبان من سنة ١٣٤١. وقد استنبطت ذلك من الأمور الآتية: