للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واجعلوا الموتَ نصبَ أعينكم، فإنَّ ذكره يقوِّم الحائد. وعليكم بتلاوة القرآن والعملِ به، فإنَّه صلاح الأعمال والعقائد. وأديموا ذكرَ الله ولا تفتُروا عنه، فإنَّه الزاد الزائد. واغتنموا الجنةَ، فإنَّها الآنَ مبسوطة بين أيديكم، فخُذُوا أو دَعُوا، فمِنْ راشِد ومِنْ شارد.

واعلموا أنَّ الأعمالَ هي الجنة، فأكثِرُوا أو أقِلُّوا أو اتركوا، قبلَ انقطاعِ العمرِ وهجومِ الصائد. قبل مفاجأةِ الموتِ القاطعِ والسُّمِّ الناقعِ والبلاءِ الصادعِ للأقارب والأباعد. قبلَ حلولِ التُّراب، وحلولِ الثواب والعقاب، وسؤالِ منكرٍ ونكير، فتنبَّه يا راقد! قبل البعث والنشور، ودعوى الويل والثُّبور، وبلوغ المواعد. قبلَ نصبِ الميزان، وزفير النِّيران، ومناقشةِ الحساب بين يدي أبصَرِ ناقد. قبلَ نَصْبِ الصراطِ على جسْرِ جهنَم، فمِن ناجٍ، ومن مخدوشٍ، ومِن واقع صريعًا لليدين والفم، فيلبث أضعافَ عمرِه أو يدومَ خالد. فثَمَّ نارٌ شرابُها حميم، وبردُها زمهريرٌ قلما لا يردها إلا العالم العابد. وثَمَّ جِنانٌ حُورُها حِسان، وحُلَلُها حرير، وحجارتُها دُرٌّ ومَرجان، وطعامُها طيِّبٌ وشرابُها سلسبيلٌ بارد.

وها قد نزَل بنا ذو القعدة الحرام، وحانَ سيرُ من وَفَّقه الله لحجِّ بيتهِ الحرام، فنُوصي الحُجَّاجَ بالإخلاصِ والتحرُّزِ من الرَّفَث. قال - صلى الله عليه وسلم - : "من حَجَّ فلم يرفُثْ ولم يفسُقْ خرَجَ من ذنوبه كيومِ ولَدتْه أمُّه" (١).

ونُوصي سائرَ الناس بالدعاء للحُجَّاجِ، وإصلاحِ النفوس، والتوبةِ من الذنوب. والله تعالى يقول: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ


(١) من حديث أبي هريرة. أخرجه البخاري (١٥٢١) ومسلم (١٣٥٠).