للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يؤمَنُ ضَيرُها. وخيرُكم من رُزِقَ منها كفَافًا، وانقبضَ عن فضولها زهدًا وعَفافًا. وما عسى أن يقال في دارٍ أنفاسُ الإنسان فيها معدودة، وخيراتُها عن أحبابِ الله مصدودة. وإنما هي دار عمل واكتساب، حلالُها حساب، وحرامُها عذاب.

وإنما مَثَلُنا ومثَلُ الدنيا كملِكٍ قال لعبيده: دونكم هذا البستانَ، فمن أخَذَ من تلك الشجرة قتلتُه، ومن أخذ من تلك الشجرة كفايتَه أكرمتُه، ومن أخذ فوق حاجته عاقبتُه. على أنَّ كثرةَ الدنيا تشغَل عن الله في الغالب، وكثيرًا ما تُجرِّئُ على المعصية، وتُطمِعُ الشيطانَ في الإنسان.

وإنَّ أحدكم لَيرى (١) القبورَ، فيفزَعُ من ضِيقها، ويَهُولُه دفنُ أمثاله في التراب وبَلاءُ (٢) محاسنهم، وأكلُ الدُّود لها؛ ويُفزِعُه (٣) ما يسمع من عذاب القبر وهولِ المحشر وعذاب جهنَّم. ومع ذلك يعلم أنَّما عاملُه عملُه، ففيه يُقبَر، وإياه يُوَسَّد، وهو محاسِبُه، وهو مَرْكَبُه، وهو صراطُه، وهو ميزانُه، وهو حوضُه، وهو مقعدُه، وهو زادُه، وهو شرابُه: فإنْ خيرًا فخيرٌ، وإنْ شرًّا فشَرٌّ. ثم لا يُحسِنُ عمله، ولا يُقَصِّرُ أملَه، ولا يدَعُ باطَله؛ وإنَّ ذلك لَلضَّلالُ البعيدُ.

واعلموا أنَّ شهرَكم هذا شهرٌ حرام، تُضاعَف فيه الأعمالُ، فعليكم بالصلاة فرضًا ونفلًا. وعليكم بالصيام، فإنه جُنَّة من النار. وعليكم بالصدقة، فإنَّها حجابٌ من أسواء الدنيا والآخرة. وإيَّاكم والغيبةَ والنميمةَ، والكذبَ


(١) رسمها في الأصل: "ليرا".
(٢) رسمها في الأصل: "بلآ" والبلاء بفتح الباء مصدر بلِيَ يبلَى كالبِلَى بكسر الباء.
(٣) رسمها في الأصل: "يفضعه".