للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أما بعد ــ أيها الناس ــ فإني آمركم ونفسي بتقوى الله تعالى، فقد أفلَحَ من اتقاه. وأزجُرُكم ونفسي عن عصيانه، فما أخابَ (١) من عصاه وأشقاه!

واعلموا ــ وفَّقَني الله وإياكم ــ أنَّ الله تعالى عالمٌ بما أظهره العبدُ وما أخفاه، وما أكنَّه وما واراه، وأنه هو العالم الذي هو بكلِّ شيء عليم خبير، القادرُ الذي هو على كلِّ شيء قدير، الكافي الذي كفاكم جميع الأسوا (٢)، الواقي الذي يقيكم كلَّ ضرر وبلوى (٣).

ومع علمكم بذلك، فأنتم عن طاعته حائدون، وعلى عصيانه مواظبون، وعلى إغضاب أحبابِه وحُبِّ أعدائه (٤) ملازمون، أيستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟

تأمرون بالمعاصي، وتزجُرون عن الطاعة. وتتَّبعون البدعة، وتُخالِفون الجماعة. أما أنذَرَكم الله تعالى عذابَه؟ أما حذَّركم عقابَه؟ أما أسمَعَكم الصوتَ؟ أما كتَبَ عليكم الموتَ؟ أما خوَّفَكم بنار الجحيم؟ أما أفزَعَكم خوفُ العذاب الأليم؟ فما لكم عن المواعظ كأنكم نائمون؟ وما لكم في فيافي الغفلةِ كأنكم هائمون؟

فافزَعُوا إلى الله تعالى بصدق النيَّة، واتركُوا الحميَّةَ حميةَ الجاهلية. أتغضبون لأنفسكم، ولا تغضَبُون لخالق السماء والأرض؟ وتخافون من


(١) كذا في الأصل بدلًا من "أخيَب" اسم التفضيل من خاب.
(٢) يعني: الأسواء جمع سوء.
(٣) رسمها في الأصل: "بلوا".
(٤) رسمها في الأصل: "أعداه".