للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تعرف قِصَرَ العمر وغدرَ الدنيا، ولا تُقلِع عنها. وتعلم أنها دار فناء لا بقاء، ونقمة لا نعمة، ثم لا تَقنَع منها. وتستيقن عداوة هواك وشيطانِك، ثم لا تخالفهم (١) في أفعالِكَ والأقوال!

فاستعِنْ على نفسِك بذكرِ الموتِ المُبِيد والعذابِ الشَّديد، وتصوَّرْ شدَّةَ المصائب والأهوال. فإنَّ أمامك نارًا ذاتَ دركاتٍ وعقاربَ وحيَّاتٍ وسلاسلَ وأغلال.

فانظُرْ لنفسك ــ رحمك الله ــ ما يُصْلِحها في دار البقاء، وتخيَّرْ من الأحوال ما تعلمه خيرًا، وما عساك تجد غيرَ الاستقامة والتُّقى لِتَسلَم من عذر الدنيا ومكرها، ومن عذاب الآخرة وشدَّة الأوجال؟

الحديث: قال عليه أفضل الصلاة والسلام: "حبُّ الدنيا رأسُ كلِّ خطيئة" (٢). وقال عليه أفضل الصلاة والسلام: "لو كانت الدنيا تسوَى عند الله جناحَ بعوضةٍ ما سُقيَ منها كافرٌ شربةَ ماء" (٣).

ألا، وإنَّ أبلَغ موعظةٍ يلين لها الحديدُ، وتُسكب لها العبرات، وتُداوَى بها أدواءُ القلوب القسيَّات= كلامٌ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفِه. والله سبحانه وتعالى يقول: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: ٩٨]. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ


(١) كذا في الأصل.
(٢) أخرجه البيهقي في "شعب الإيمان" (١٠٠١٩) عن الحسن مرسلًا.
(٣) سبق تخريجه في الخطبة الرابعة عشرة.