للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعرشٌ لا يُثَلُّ، وعَقْدٌ لا يُحَلُّ، وقائد لا يَزِلُّ، وهادٍ لا يضِلُّ، وسيفٌ لا يُفَلُّ. فعليكم بالتقوى تفوزوا بخير الدارين وأحسن (١) الحالين، تنالوا بها في الدنيا عيشًا مرغوبًا، وتفوزوا بالآخرة بالنعيم المقيم في غُرَفِ طُوبَى. من أراد جنَّة المأوى فعليه بالتقوى.

أيها الإنسان، ما أطوَلَ أملَك، وما أقصَرَ عملَك! تحصُر همَّتَك في تحصيل الحطام الفاني، وتُعرِض عن الإعداد لهولِ الآتي. وتستهينُ بالعذاب الشَّديد، استهانةَ مكذِّبٍ بالوعد والوعيد. وما ذلك إلا لأنَّك آثرتَ الفاني على الباقي، وبعتَ الآجلَ بالعاجل. لا يسكن قلبُك إلا إلى جلبِ مالٍ أو زيادةِ حطامٍ، ولا تميل نفسُك إلَّا إلى حِيَلِ الكسْبِ وتكثيرِه من غير أن تنظرَ إلى حلال أو حرام. تحبُّ نقصَ العبادة، كما تحبُّ في دنياك الزيادة. ويروعك من صلاتك تطويلها، كما يروعك من دنياك تحويلُها.

ابنَ آدم، حتَّام التسويف؟ وإلامَ التخفيف؟ ألم يُفِدْك التخويف؟ حتَّام ازورارُك عن الحقِّ، وإعراضُك عن الصدق؟ إلى كم تتجنَّبُ الهدى، وتتصوَّب الرَّدى (٢)، وتميل إلى العِدَى؟ ألا، وإنما نفسُك وهواك وشيطانك هم العِدَى (٣)، لو تعلَم!

ابنَ آدم، ارفُقْ بنفسِك وارْحَمْها، فإنَّك لم تزَلْ للمخاوف تُقْحِمُها، وعن الخيرات تَحْرِمُها. فيا ظالمًا لنفسه، علامَ تَظْلِمُها؟ ويا مُهلِكًا لنفسه ألا


(١) في الأصل: "حسن".
(٢) كذا في الأصل.
(٣) رسمها في الموضعين: "العدا".