للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اعلمْ أنَّ الجهاد ركنٌ من أركان الإسلام، وهو روحُه التي لا يحيا إذا فارقه، وهو أفضلُ الأعمال بعد الإيمان، وَعَدَ الله مَنْ قام به، وتوعَّد مَنْ تأخَّر عنه، وجعله سبباً لإعزازِ دينه وإكمالِه، وإخزاءِ عدوِّه وإذلالِه، وله في ذلك الحكمةُ الباهرةُ، منها: أنْ يَنْصرَ دينَه ويَخْذُل عدوَّه بلا سبب مُهلِكٍ في الِعيان، لا يتمكَّنون مِنْ دفاعه، كالخسفِ والمسخ والصواعقِ؛ وليفتخرَ المسلمون بغلبتهم ــ مع قلَّتِهم ــ أعداءَهم مع كثرتهم، ويُثِيب عليه (١) المجاهدين، ويُعاقِب القاعدين، ويَبتلي عباده، وهو أعلمُ بهم، إلى غير هذا.

وجعل سبحانه وتعالى طبيعةَ البشر الخوفَ من الأشياء العاديةِ الإهلاكِ والخشيةَ والهرب منها، ثمَّ بناءً عليها فلم يُكلِّفهم عدمَ المدافعة والتحرُّز بنحو الاختفاء والتدرُّع ونحوه، بل كلَّفهم ذلك كاتخاذ السِّلاح ونحوه، مِن قتل أعدائهم بالأسلحة، ومهاجمتِهم بقدر الإمكان، للحِكَم السابقة في الجهاد وغيرها، وفضلاً منه وكرمًا.

فأهلُ دهرِنا هذا مع تكاسُلِهم ونُضُوبِ حميَّتِهم ويقينهم إن قلتَ: اذهبوا إلى الجهاد، قالوا: إنّ الله قادرٌ على إهلاكِ أعدائنا بلا قتالٍ، ولا يكون إلا ما أراد من نفورنا وقتالنا، وغلَبِنا أو غَلَبِ أعدائنا.

فتلك في الحقيقة كلمةُ حقٍّ من حيث معناها، لا من حيثُ ما أُرِيد بها، فإنّهم يُريدون التخلُّصَ بها من اتباع أوامر الله سبحانه ومعاندتَه، وكأنّهم اعترضوا عليه في إيجابه، وادَّعَوا عدمَ الحكمة فيما قضاه، فهلاّ نظروا إلى أوامرِه ونواهيه ووعده ووعيده، وإرسالِ الرُّسل، وتنزيلِ الكتب، والأمرِ


(١) في الأصل: "إليه"، وهو سهو.