منّي أن أكتب له وصية نافعة، فرأيت من الحقِّ عليَّ أن أجيبه إلى ذلك، ومن الله تعالى أسأل التوفيق لي وله، وأرتّبها على مطالب:
المطلب الأول
العقيدة في شأن ذات الله عزَّ وجلَّ وصفاته
بعث الله محمدًا - صلى الله عليه وسلم - إلى الخلق، وكان أول مَن دعاه العرب، وكان العرب في جاهليتهم يعترفون بوجود الله عزَّ وجلَّ وربوبيته، وأنه ربُّ كلِّ شيء، وكانوا يصفونه بما تقتضيه الفطرة، وما بقي لديهم من ملة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام من صفات الكمال، ويفترون عليه أشياء.
فجاء القرآن والسنَّة بتقريرهم على الحقّ وردّهم عن الباطل، فكان من الباطل: زعمهم أن الملائكة بنات الله ــ تعالى الله عن قولهم ــ وزعمهم: أنه يجوز أن يُعبد مع الله بعض مملوكاته ليكونوا شفعاء لهم إليه، ويقربوهم إليه زُلْفى، وشكُّهم في أنّ الله يبعث الناس بعد موتهم ولا يكون هذا أبدًا؛ ولهذا قال تعالى:{قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ}[يونس: ١٨]، فقرر القرآن في عدة آيات أن الله تعالى تنزَّه عن أن يكون له ولد، وأنه لا يستحق أن يُعبد إلا هو سبحانه، وأن البعث بعد الموت حق. فالاعتقاد هو ما اقتضته الفطرة القاطعة، وصرَّح به القرآن والسنَّة الصحيحة الصريحة.
ولا ريب أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا أكمل الخلق في الإيمان وصحّة الاعتقاد، فمن أراد صحة الاعتقاد فليجعل نفسه كواحد منهم، لا يعتدّ إلا بما كان حاصلًا لهم من العقل الفطري، والفهم لكلام الله