عن التصحيح الطباعي، والأوضح: التمييز بالصفة، كما ترى". يعني: إذا أردت التمييز بين نوعي التصحيح وصفتَه بالطباعي أو العلمي، وإلا اكتفيت بكلمة التصحيح، والسياق يبيِّن المقصود، فلن يخيَّل إلى أحد إذا رأى على غلاف الكتاب: "صحَّحه فلان" أن المقصود: صحح تجاربه!
وإذا رأى المرء ما ابتليت به كلمةُ "التحقيق" في زماننا من الهوان والامتهان تمنَّى لو استمرَّ الباحثون على كلمة "التصحيح" التي لم تكن قاصرة عن أداء المقصود، وظلَّت كلمة التحقيق ومشتقاتها مصونة من أيدي العابثين المبطلين.
وأهل الفارسية لا يزالون يسمُّون هذه الصناعة "التصحيح"، بل ترى من كبار محققيهم من يقتصرـ مع استفراغ وسعه في تحقيق النص وإتقانه إتقانًا بالغًا ــ على أن يثبت على غلاف الكتاب: "باهتمام فلان" أي باعتنائه، أو "بكُوشِشِ فلان" أي بسعيه. والعمل هو الذي يشهد بدرجة اعتنائه ومبلغ سعيه.
وغفر الله لشيخ العروبة أحمد زكي باشا الذي أثبت على بعض كتبه كلمة "التحقيق"، فتبعه الآخرون. ثم استُهتر بها الناس، وكثير منهم لا يعنيهم مفهومها وحقيقتها بقدر ما يعنيهم لفظها ورنينها، فيثبتها أحدهم على غلاف كتابه مزهوًّا بها، ويمشي في الأرض مرحًا، وإن كان عمله في الكتاب لم يزده إلا فسادا.
ولنستعرض الآن محتويات الرسائل الثلاث مع وصف أصولها الخطية.