لأنَّ العارف بدل أنْ يفهم مِن إثبات الأغلاط الواضحة أمانةَ المطبعة ومصححها وشدَّة تَحرِّيهم، يفهم أنه ليس فيهم أحد من أهل العلم يعلم أنّ ذلك غلط واضح.
[ص ٩] ٤) أنّ كثيرًا من المطالعين لا يُميِّزون بين الصواب والخطأ، ففي الطبع على الطريقة المذكورة حرمان هؤلاء من بعض الفائدة، وإيقاعُ بعضهم في الغلط، وتكليفهم المشقَّة إذا أرادوا أن يستشهدوا بشيء من الكتاب.
وبعض المصححين ينبِّه على الخطأ بأنه خطأ، وهذا وإن اندفع به بعض النقائص المذكورة، فقد زاد نقصًا آخر، وهو: أن التنبيه على الغلط يلزمه أن يُبيِّن المصحح مستنده [ص ١٠] في التغليط، فيعظم حجم الكتاب، وقد بيَّنا ما فيه.
فأما إذا كان المصحح غير ماهر، فالأمر أشد، فإنَّه قد يصحح الغلط ويُخطِّئ الصواب. وهذا ينقص قيمة المطبوع العلمية والمالية، لأنّ الناظر فيه يرى أنَّ الكتاب لم يُصححه عارف ماهر، وأيضًا ففي ذلك إيقاع لغير العارفين في الغلط.
[ص ١١] ومع ما تقدم، فإننا نقطع أنه لم يُطبع كتاب قط على هذه الطريقة مع استيفاء جميع الاختلافات، فإنَّ مِن نُسخ الكتب التي طُبعت على هذه الطريقة ما لا نقط فيه البتَّة أو نَقطُه قليل. فلو وَفَى المصحح بهذه الطريقة لكانت الحواشي ثابتة مع كل كلمة منقوطة يمكن تصحيفها.
ومن هنا نعلم أن المصحح فزع إلى الطريقة الرابعة (١)، ولكن لم
(١) كتب أولًا: «الثالثة»، ثم ضرب عليها وكتب: «الرابعة».