الداخل في إحدى الأذنين هو غير الداخل في الأذن الأخرى؛ بدليل أنه قد يدني الشخص أذنه من أذن الآخر ثم يكون صوت فيسمعانه معًا، والهواء الواحد لا يُتصور انقسامه، بل على هذا قد تزدحم في الأذن أهوية كثيرة من هذه الأهوية.
فالجواب: أننا نسلم أن الهواء الداخل في إحدى الأذنين غير الداخل في الأخرى، وأنه قد يزدحم في الأذن هواء وأكثر، ولكنا نقول: إنها لما كانت متماثلة لم يقدح ذلك في السماع كما سيأتي.
ولا يخفى أن كل نقطة من الصوت تحتاج إلى هواء مستقل، فالهواء الواحد لا يسع إلا بقدر حرف من الحروف الآتية مثلًا، وحينئذ فنحكم أن الناطق إذا نطق بحرف من الحروف الآتية كان المتكيِّف بها ذرة من الهواء، ثم إن تلك الذرة لا تلبث أن يتكيف بها ما جاورها من ذرات الهواء وتذهب الكيفية عنها، ثم إن تلك الذرات لا تلبث أيضًا أن يتكيف بها ما جاورها من الذرات الأخرى، وينمحي عنها وهلمّ جرًّا. ونعني بقولنا: ما جاورها، أي من الجهة البُعْدى عن المصوِّت، لا الجهة الدنيا، والسبب أن التكيف إنما هو بالدفع، ولذلك اختلف السمع بالقرب والبُعْد وشدة الصوت وضعفه، والدفع إنما هو إلى الخارج.
بقي أن يقال: إنه إذا كانت إحدى الأذنين أقرب إلى المصوِّت من الأخرى يلزم سماع الصوت مرتين، وذلك أن الهواء يدخل الأذنين متعاقبًا لا دفعة.
ويجاب بتسليم ذلك، ولكنه لسرعة اندفاع الهواء وقلة التفاوت لا يشعر