للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السامعُ بذلك، بل يظنه سماعًا واحدًا. وهذا كما إذا نظرت إلى كوكب من الكواكب مثلًا وأخذت بيدك عودًا وجعلته بين نظرك وبين الكوكب فإنه يمنع النظر، فإذا حَرَّكته بسرعة من اليمين على الشمال خُيِّل إليك أن رؤيتك للكوكب متصلة، وأن ذلك العود لم يقطعها، وما ذلك إلا لسرعة الحركة، فلا يصل المثال المأخوذ بالرؤية الأولى إلى الحس المشترك حتى يتبعه الآخر فيمتزج به، وعلى نحو هذا يقال في السمع، والله أعلم.

قوله: «على أن الظاهر تكيف جميع الهواء ... » إلخ.

استظهاره في محله على ما بينَّاه آنفًا.

قوله: «ويلزم اجتماع مثلين ... » إلخ.

أقول: إن أراد بالاجتماع الاجتماع على جهة الامتزاج، فغير مسلَّم؛ لأننا نقول: إن الهواء المتكيف بكيفية الصوت لا يقبل التكيف بكيفية صوت آخر حتى يتلاشى الأول. وإن أراد على جهة الازدحام فنعم، ولكن المسموع حينئذ هو القدر المشترك بين الصوتين، فإن كانا متماثلين كان السماع صحيحًا، كما إذا رمى جماعةٌ ببنادقهم دفعة واحدة، فإنه يسمع صوت بندق أندى من الصوت المعروف للبندق الواحد. وعلى نحو هذا يقول الشاعر (١):

فقلتُ ادْعي وأدعوَ إنَّ أندى ... لصوتٍ أن ينادِيَ داعيان


(١) هو دِثار بن شيبان النمري. والبيت من قصيدة له في «الأغاني» (٢/ ١٥٩)، وهو من شواهد «الكتاب» (٣/ ٤٥). ونسب فيه إلى الأعشى ولم يرد في ديوانه.