للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

«واستدل به (١) بعض الحنفية على تنجيس الماء المستعمل ... وهذا من أقوى الأدلة على أن المستعمل غير طهور ... ولا فرق في الماء الذي لا يجري في الحكم المذكور بين بول الآدمي وغيره خلافًا لبعض الحنابلة ولا بين أن يبول في الماء أو يبول في إناء ثم يصبه فيه خلافًا للظاهرية. وهذا كله محمول على الماء القليل عند أهل العلم على اختلافهم في حد القليل. وقد تقدم قول من لا يعتبر إلا التغير وعدمه، وهو قوي، لكن الفصل بالقلتين أقوى لصحة الحديث فيه. وقد اعترف الطحاوي من الحنفية بذلك، لكنه اعتذر عن القول به بأن القُلّة في العرف تطلق على الكبيرة والصغيرة كالجرة، ولم يثبت من الحديث تقديرهما فيكون مجملًا فلا يُعمل به، وقوّاه ابن دقيق العيد. لكن استدل له غيرهما؛ فقال أبو عبيد القاسم بن سلام: المراد القُلّة الكبيرة إذ لو أراد الصغيرة لم يحتج لذكر العدد؛ فإن الصغيرتين قدر واحدة كبيرة. ويرجع في الكبيرة إلى العُرْف عند أهل الحجاز. والظاهر أن الشارع - عليهم السلام - ترك تحديدهما على سبيل التوسعة، والعلم محيط بأنه ما خاطب الصحابة إلا بما يفهمون، فانتفى الإجمال. لكن لعدم التحديد وقع الخلف بين السلف في مقدارهما على تسعة أقوال حكاها ابن المنذر. ثم حدث بعد ذلك تحديدهما بالأرطال واختلف فيه أيضًا. ونقل عن مالك أنه حمل النهي على التنزيه فيما لا يتغير، وهو قول الباقين في الكثير. وقال القرطبي (٢): يمكن حمله على التحريم مطلقًا على قاعدة سد الذريعة؛ لأنه يفضي إلى تنجيس الماء».


(١) أي بالنهي عن اغتسال الجنب في الماء الدائم. [المؤلف].
(٢) في «المفهم»: (١/ ٥٤٢).