للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقول كاتبه ــ عفا الله عنه ــ: الظاهر ما قاله القرطبي؛ وبيانه: أن أحكام الشارع عامَّة، فلو أبيح البول في الماء الدائم لأبيح للناس جميعًا. ولو كان ذلك، لم يَقتصر على البول فيه إنسان واحد مرَّة واحدة، بل يكون معرَّضًا لأن يتوارد على البول فيه كلُّ واردٍ مرارًا (١) كثيرة. ولاسيَّما والناس يعتادون الاغتسال، وإذا نزل الإنسان في الماء عرض له البول عادة، بل كثيرًا ما يعرض البول للإنسان بمجرَّد رؤيته الماء.

ونحن نرى الحكومات في البلاد المنظَّمة تشدِّد في النهي عن البول في الشوارع، وتعاقب من يبول، وإن كان واحدًا، مع العلم أنه ببوله لا يحصل المحذور الذي كان التشديد لأجله، وهو تقذُّر الشوارع.

ثم إن تعيينهم العلَّة بأنَّها خوف التنجُّس= فيه نظر؛ فقد يقال: هي خوف التقذُّر. وتقذير الماء حرام؛ لأنه إن كان مِلْك المقذِّر ففيه إضاعة المال أو الإضرار بالنفس؛ كيف والفقهاء يحرِّمون تناولَ نحو المخاط. وإن كان ملكَ غيره، فتقذيره ظلم.

وقد يقال: هي خوف الإضرار؛ فإن البول كثيرًا ما يحتوي على جراثيم ضارَّة. وإدخال الضرر في الماء حرام كما مرَّ في التقذير. وإذا كانت العلل الثلاث محتملة فتعيين بعضها يحتاج إلى دليل.

فالذين رجَّحوا الأولى رأوا أنها أقرب إلى التفات الشارع إليها، بدليل قلَّة تفصيله للسُّمِّيَّات والمضرَّات والمستقذرات.


(١) في الأصل: «مرار» سهو.