وقد يُردُّ هذا بأن الأشياء التي جاءت الإشارة الشرعية إلى أنها سامَّة أو ضارَّة أو مستقذرة تفوق عدد النجاسات، وإنما لم يستوعبها الشارع لأن للناس إلى معرفتها سبيلًا من غير الشرع. أما السُّمِّيَّات والمضرَّات فبالتجارب وإخبار الأطباء. وأما المستقذرات فظاهر.
وقد وجدناه نصَّ على كثير من السُّمِّيات والمضرَّات، وذلك فيما الحاجة دعت إليه؛ إما لعموم وجوده وجهل أصحابه بسُمِّيته أو مضرَّته كنهيه - صلى الله عليه وآله وسلم - عن النفخ في الشراب والطعام، وإما لتهاون الناس به لاعتيادهم له. بل يرى بعض العقلاء من المسلمين أن غالب الأشياء التي حرَّمها الشرع إنما حرَّمها لضرر فيها.
إذا تقرَّر هذا، فالبول في الماء مما يعتاده الناس ويألفونه. وقد قدَّمنا ما يوضح ذلك. وكانوا يجهلون مضرَّته حينئذ أصلًا. ولو فُرض شعورهم بضرره في الجملة، فربما يرى أحدهم الماء الكثير فيرى أنَّ بوله مرَّة لا يضر بأحد، ولا يتنبَّه إلى أن جواز بول الواحد مرَّة واحدة يلزمه جواز بول جميع الناس دائمًا كما تقدَّم. ولا سيما إذا كانت العادة أن ذلك الماء لا يُشرب منه لظنِّهم أن الضرر إنما يصل إلى البدن بالأكل، ولا يشعرون بأن من الجراثيم ما يضرُّ بمجرَّد اتصاله بجرح أو بالأنف أو العين ونحو ذلك.
وهكذا قُل في التقذير؛ فقد يرى أن بوله مرَّة واحدة لا يقذِّر. وبعض الناس ــ ولو علم الضرر والقذر ــ قد يتهاون بحقِّ غيره.
فعلى هذا فينبغي التماس مرجِّح غير ما تقدَّم، وإلا فلا يحتج بالحديث في تنجُّس ولا عدمه. وربما يرجَّح الضرر بأنه أقرب إلى دخول أغلب أفراد