للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حكى الحافظ هناك (١) عن عياض قال: «كانوا انتهَوا إلى دار الإسلام والمحَلّ الذي لا يجوز فيه الأَكل من الغنيمة المشتَرَكة إلَّا بعد القسمة، وأَنَّ محل جواز ذلك قبل القسمة إنَّما هو ما داموا في دار الحرب، قال: ويحتمل أنَّ سبب ذلك كونهم انتَهَبُوا، ولم يأخذوا [باعتدال و] على قدر الحاجة. قال: وقد وقع في حديث آخر ما يدل لذلك، يشير إلى ما أخرجه أبو دَاود (٢) من طريق عاصم بن كُلَيب عن أَبيه ــ وله صحبة ــ عن رَجُل من الْأَنصار قال: «أصاب النَّاسَ مجاعةٌ شديدة وجَهْد فأصابوا غنمًا فانتهبُوها، فإنَّ قُدُورنَا لتَغْلِي بها إذ جاء رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - على فرسه فَأَكْفأ قدورنا بقوسه، ثمَّ جعل يُرَمِّل اللَّحم بالتراب، ثُمَّ قال: إنَّ النُّهْبَة ليست بِأَحلَّ من الَميتة» اهـ ... وأمَّا الثَّاني فَقَالَ النووي (٣): المأْمور به من إراقة القدور إنَّما هو إتْلَاف المَرَق عقوبةً لهم، وأمَّا اللَّحم فلم يُتلِفُوه بل يُحمَل على أنه جُمع ورُدَّ إلى المَغنم، ولا يُظَنّ أنه أَمَرَ بإتلافه مع أنه - صلى الله عليه وآله وسلم - نهى عن إضاعة المال ... فإن قيل: لم يُنقل أنهم حملوا اللَّحم إلى المغنم، قُلنا: ولم يُنقل أَنهم أَحرقوه أو أَتلفوه، فيجب تأويلُه على وفق القواعد اهـ. ويرُدُّ عليه حديث أبي داود فإنَّه جيِّد الإسناد، وتَرْك تسمية الصَّحَابي لا يَضُرّ، ورجال الإسناد على شرط مسلم ... ».

أقول: رحم الله النووي، استبعد إتلاف اللحم لكونه مالًا مع اعترافه


(١) (٩/ ٦٢٦).
(٢) برقم (٢٧٠٥).
(٣) «شرح صحيح مسلم» (١٣/ ١٢٧).