الآخر ذهب رديء، وهما يريدان التبايع، إما لمصلحة الاحتكار، لأن كلًّا منهما يقول: إذا احتكرت فينبغي أن يكون عندي من النوعين، وإما لغير ذلك، لكن مع مراعاة كلٍّ منهما للاحتكار، لأن أحدهما يقول: إذا لزم لي أن أشتري شيئًا من الذهب وأعطي في قيمته ذهبًا، فلا ينبغي أن أشتريه إلا من رجل آخر محتكر للذهب مثلي؛ لأنه أيضًا يراعي الاحتكار، فلا يخرج الذهب إلا عند غلاء سعره، وبذلك يتمُّ مقصودي في حكر الذهب حتَّى يغلى سعره.
والآخر يقول: إذا بدت لي مصلحة في أن أبيع شيئًا من الذهب، فلا ينبغي لي [أن] أبيعه إلا بذهب حتَّى لا أضيِّع شيئًا من المقدار الذي أريد احتكاره.
فضيَّق الشرع عليهم فألزمهم أن لا يبيعوا الذهب بالذهب حالًّا إلا مثلًا بمثل؛ لأن الغالب أن لا تدعو حاجة لاشتراء الذهب بالذهب إلا لمزيَّة لأحدهما على الآخر. وصاحب الذهب الممتاز لا يرضى أن يخسر تلك المزيَّة، فيضطرَّ أحدُهما إلى بيع ذهبه بفضَّة أو غيرِها ثمَّ يشتري بذلك ذلك الذهب الذي رغب فيه، فينفكُّ الاحتكار أو يبقيان مضيَّقًا عليهما.
وإنما لم يُمنع بيع الذهب بالذهب مطلقًا لأن في ذلك تضييقًا شديدًا على الناس. وقد يكون البائع أو المشتري غيرَ قاصد للاحتكار، وإنما دعتْه ضرورة أخرى.
والعادة أن صاحب الذهب الممتاز لا يرضى بخسارة تلك المزيَّة إلّا لضرورة دعته، فالتضييق عليه مع اضطراره منافٍ للحكمة، فكانت الحكمة أن يُحدَّ لذلك حدٌّ بحيث لا يباع الذهب بالذهب إلا من ضرورة، وهذا الحدُّ هو إيجاب المماثلة.