أنه من غير لغة العرب، إلَّا أنه ظاهر الموافقة للإشارة بخلاف (التقبيل) ونحوه، كما ستراه إن شاء الله تعالى.
وإمَّا أن يكون الخلق هم الذين ولَّدوها من الإشارة.
ولا أجزم بأحدهما، ولكنّي سأبني كلامي على الثاني.
الدليل الإجمالي
أصحُّ أساسٍ نبني عليه البحث في هذا الموضوع أن نعتبر حال الإنسان قبل اللغة بحال الأبكم، وكلّنا يعلم أنَّ الأبكم يعتمد في تفهيم ما يريده على أمورٍ منها: الإشارة ببعض أعضائه الظاهرة، ومنها أصوات طبعية تدل على أغراض معروفة، كالأنين على الألم. وهذا القسم يظهر أنه كان كثيرًا في الإنسان لأننا نرى العجماوات تستفيد من أصواتها الطبعية كثيرًا في تفهيمها، ولا شك أن الإنسان قبل اللغة كان أرقى منها.
ومنها حكاية أصوات الأشياء التي يريد [أن] يخبر عنها سواءً من أصوات الإنسان نفسه كالأنين والحنين والنخير والشخير أو أصوات الحيوانات أو غيرها. ومنها حكاية المعاني بأصوات تناسبها، وهذا هو الذي دندن عليه ابن جنّي.
أنا أرى أنَّ الأقسام الثلاثة يصحّ أن تكون كلها من باب الإشارة، فالأول إشارة مرئية، والآخران إشارة مسموعة، وإن كان معنى الإشارة في أصل اللغة لا يتحمَّل هذا فلنحمِّلْه إيَّاه على سبيل الاصطلاح. ويرجّح هذا أنَّ الإشارة بالأعضاء أوسع تصرُّفًا من الأصوات الطبعية والحكاية كما لا يخفى.