وقد بان ذلك في هذا الخبر، فإنه لو أراد التصريح لعيَّن المرادة بالإشارة إليها أو الاسم الخاص بها؛ وطول اليد الحسِّي تصريح.
الضرب الثاني: ما يحتمل المعنيين على السواء. ومنه قول أمير المؤمنين علي رضوان الله عليه:"خير هذه الأمة بعد نبيِّها: أبو بكر ثم عمر، ولو شئتُ لسمَّيتُ الثالث"(١). فيحتمل أنه أراد نفسه ولكنه كره التصريح بذلك لما في ظاهره من تزكية النفس، ويحتمل أنه أراد عثمان رضي الله عنه ولكنه كره التصريح بذلك لأن مخالفيه من بني أميَّة وأهل الشام كانوا يزعمون أنهم يطالبون بدم عثمان، ويدَّعون أن عليًّا سامح في قتله وآوى قَتَلتَه. وكان جماعة ممن نقم على عثمان بعض الأمور انضمُّوا إلى أنصار علي. فتصريح علي بفضل عثمان في تلك الحال يقوِّي فتنة أهل الشام وينفِّر من انضمَّ إلى علي من الناقمين على عثمان.
الضرب الثالث: ما يكون الظاهر منه خلاف الواقع، إلا أن هناك قرائن فيها خفاءٌ ما، لو تأملها المخاطَب لعاد الكلام عنده محتملًا.
فمنه فيما يظهر كلمات إبراهيم خليل الله عليه السلام. أما قوله لمَّا سئل عن زوجته:"هي أختي" وأراد أخته في الدين، فإنه إنما قال ذلك لقوم يعلمون أن من عادة ملكهم إذا سمع بامرأة جميلة لها زوج بدأ بقتل الزوج. ومن عادة الإنسان إذا وقع في شدة لا يمكنه التخلص منها إلا بالتورية ورَّى. بل كثير من الناس لا يتردَّد في مثل ذلك في الكذب الصريح. فهذه قرينة لو
(١) أخرجه أحمد في "مسنده" (٨٧٩، ٨٨٠) وفي "فضائل الصحابة" (٤٢٩، ٤٤٦، ٥٤٨) بأسانيد صحيحة.