تأمَّلها القوم لعلموا أنه لا يألو جهدًا في دفع الشرِّ عن نفسه، وذلك مظنة التورية، مع أن الأخوة يكثر استعمالها في غير الحقيقة الأصلية، ولهذا يكثر من الناس أن لا يكتفوا من الرجل بقوله لآخر: هذا أخي، حتى يستفسروه.
وأما نظره في النجوم وقوله:{إِنِّي سَقِيمٌ}[الصافات: ٨٩]، فإنما فعل ذلك بعد أن سبق منه أن قال لهم:{وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ}[الأنبياء: ٥٧]، فقد سبق منه أن بيَّن لهم أنه يريد التخلُّف ليكيد أصنامهم. ولا يخفى أنه لو أعاد لهم هذا القول عند خروجهم وسؤاله أن يخرج معهم لما تركوه. فلو تأمَّلوا ذلك لعلموا أنه لا يتحاشى مغالطتهم بالتورية ونحوها. ومَن عَلِم من حال صاحبه أن لا يتحاشى عن التورية لم يكتفِ منه بظاهر قولٍ، بل يصير الظاهر حينئذ غير ظاهر.
والإيهام في القصة هو إيهامه أنه استدلَّ بأحوال النجوم على أنه سيسقم عن قريب. وكأن نظرته في النجوم كانت نظرةً خفيفةً، كما يشير إليه قوله تعالى:{نَظْرَةً} بالتنكير، أي يسيرة. والنظرة اليسيرة قد تقع ممن يتذكر شيئًا أو يتدبَّره، فليست بظاهرة في نظر الاستدلال بأحوال النجوم، بل هي محتملة. وقوله:{إِنِّي سَقِيمٌ} أي في المستقبل، وقد فهم المخاطبون ذلك ولكنهم لِتوهُّمِهم أن النظرة في النجوم كانت نظرةَ استدلال بأحوالها توهَّموا أن المراد: في المستقبل العاجل. وقوَّى ذلك عندهم أن كلامه عليه السلام كان في معرض اعتذار عن الخروج معهم، والسقم المستقبل الذي يصلح أن يكون عذرًا هو الذي في المستقبل القريب.
وأما قوله عليه السلام:{بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا}[الأنبياء: ٦٣]،