للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فليس الإيهام ــ والله أعلم ــ في نسبة الفعل إلى كبير الأصنام، فإن مثل ذلك لا يوجب إيهامًا؛ للعلم بأن الصنم جماد لا يتأتى منه الفعل عادةً. وهذه قرينة واضحة على أنه لم يُرِدْ نسبة الفعل إلى الصنم على الحقيقة. ولكن الإيهام فيما أرى ــ والله أعلم ــ في كلمة "بل"، فإنها تقتضي بظاهرها النفي عن نفسه، كأنه قال: "ما أنا فعلته، بل فعله كبيرهم هذا". ولعل المعنى المراد أن التقدير: " [لا] أقول: أنا فعلت (بل) أقول: (فعله كبيرهم) ". فـ (بل) للإضراب عن القول المقدَّر.

هذا، وقد ذكر المفسرون أنه عليه السلام حطَّم أصنامهم كلها عدا الصنم الكبير، ثم علَّق الفأس بعنق الكبير أو يده. ومقصوده عليه السلام بذلك أن يقيم الحجَّة عليهم من وجهين:

الأول: أن الأصنام لا تفعل ولا تنطق, فلا تنفع ولا تضر، فلا معنى لعبادتها.

الثاني: أنها لو كانت تعقل وتفعل لاحتمل أن الكبير يغضب من عبادة الصغار معه. وفي ذلك إشارة إلى أن رب العالمين سبحانه يغضب من عبادة شيء دونه.

هذا، وقد بيَّنتُ في موضع آخر أنه يظهر أن هذه الثلاث الكلمات كانت من الخليل عليه السلام قبل النبوة (١). ومما يدل على ذلك ما وقع في


(١) انظر "التنكيل" (٢/ ٣٩٢ وما بعدها) و"إرشاد العامه إلى معرفة الكذب وأحكامه" (ص ٢٤٦ وما بعدها) ضمن مجموع رسائل أصول الفقه.