للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

خبر يُخبر به أن يكون تأوَّل في نفسه خلافَ ظاهره. بل إذا كثر ذلك منه لم يصدِّقه الناس فيما يزعمه بعد الإخبار من أنه قصد بها معنًى صادقًا خلاف ظاهرها، بل يعدُّون اعتذاره كذبًا آخر يريد به التخلص من كذبه السابق.

واعلم أن كل ما ثبت في كتاب الله عزَّ وجلَّ أو السنة الصحيحة مما يقول أهل العلم أو بعضهم: إن المراد به خلاف ظاهره= له أوجه:

الأول: نحو قوله تعالى: {جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} [الكهف: ٧٧] مما للكلمة في ذاتها ظاهر إذا أطلقت، ولكنها وقعت في كلامٍ الظاهرُ منها فيه خلاف الظاهر إذا أطلقت. فهذا ليس مما نحن فيه لأننا إنما نريد بالظاهر: الظاهر من الكلام مع اعتبار القرائن.

الثاني: ما يصح ردُّه إلى الضربين الأوَّلين من المعاريض، وهذا مقبول.

الثالث: ما لا يصح ردُّه إلا إلى الثالث أو إلى ما بعده، وهذا لا يوجد في الكتاب والسنة الصحيحة. ومن زعم أن شيئًا منهما منه، فإما أن يكون مخطئًا في زعمه منه، والحق أنه ممَّا تقدم؛ وإما أن يكون مخطئًا في تأويله، وتأويله مردود عليه. وتفصيل ذلك ودفعُ ما يخالفه يحتاج إلى تطويل ليس هذا محلُّه. وكثير من الأمثلة يُتوهم فيه أنه من الضرب الثالث أو مما بعده، وردُّه إلى الأول أو الثاني يحتاج إلى فضل عناية وشفوف نظر.

فمن ذلك: أن العموم والإطلاق ونحوهما من الظواهر ذهب جماعة من أهل العلم إلى أنه لا يجوز إخراجها عن الظاهر إلا بدليل مقارن، لأنه لا يجوز أن يريد الشارع بالنص خلافَ ظاهره ثم لا يقيم على ذلك حجَّة مقترنة