قال شيخ الإسلام أبو السعود الرومي في "تفسيره": "فالمعنى: أعَقِيبَ ما سمعتم من آثار كمال عظمة الله عز وجل في ملكه وملكوته وجلاله وجبروته وإحكام قدرته ونفاذ أمره في الملأ الأعلى وما تحت الثرى وما بينهما رأيتم هذه الأصنام مع غاية حقارتها وقماءتها بناتٍ له تعالى؟ وقيل المعنى: أفرأيتم هذه الأصنام مع حقارتها وذلتها شركاء الله تعالى مع ما تقدم من عظمته؟ وقيل: أخبروني عن آلهتكم هل لها شيء من القدرة والعظمة التي وُصف بها رب العزة في الآي السابقة؟ وقيل: المعنى أظننتم أن هذه الأصنام التي تعبدونها تنفعكم؟ وقيل: أظننتم أنها تشفع لكم في الآخرة؟ وقيل: أفرأيتم إلى هذه الأصنام إن عبدتموها لا تنفعكم وإن تركتموها لا تضركم؟
والأول هو الحق كما يشهد به قوله تعالى:{أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى} شهادة بينة؛ فإنه توبيخ مبنيٌّ على التوبيخ الأول. وحيث كان مداره تفضيل جانب [٣٠٩] أنفسهم على جنابه تعالى بنسبتهم إليه تعالى الإناث مع اختيارهم لأنفسهم الذكور= وجب أن يكون مناط الأول نفس تلك النسبة حتى يتسنَّى بناءُ التوبيخ الثاني عليه.
وظاهرٌ أن ليس في شيء من التقديرات المذكورة من تلك النسبة عينٌ ولا أثر، وأمَّا ما قيل من أنَّ هذه الجملة مفعولٌ ثانٍ للرؤية وخلوِّها عن العائد إلى المفعول الأول لِما أنَّ الأصل: أخبروني عن اللات والعُزَّى ومناة: ألكم الذكر وله هُنَّ أي: تلك الأصنام؟ وضع موضعها الأنثى لمراعاة الفواصل وتحقيق مناط التوبيخ، فمع ما فيه من التمحُّلات التي ينبغي تنزيه ساحة التنزيل عن أمثالها يقتضي اقتصار التوبيخ على ترجيح جانبهم الحقير على