ذلك، مع أنه وارد على ما اختاره شيخ الإسلام أيضًا فإنَّ قوله:" {أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَنَاةَ} بنات الله"، لا تصريح فيه بالتوبيخ [٣١١] على نسبة الولد، وإنما فيه التوبيخ على جعل هذه الثلاث بناتٍ له، ولو قال قائل لآخر: أجعلت فلانة وفلانة وفلانة بنات لي؟ لما فُهِم من ذلك أنه ينكر أن يكون له ولد أصلًا، فتدبَّرْ.
دعْ هذا، فإن ما اختاره شيخ الإسلام وتقدَّم عن ابن جرير (١) موافقٌ في المعنى لما اخترناه، وحاصله التوبيخ على قولهم: اللَّات والعُزَّى ومناة بنات الله.
والمهمُّ أن نبحث عن وجه هذا التوبيخ: هل كانوا يقولون: إنَّ تلك الأحجار والأشجار والبيوت بنات الله حقيقةً؟ هذا لا يقوله أحد، ولو سقطوا إلى هذا الدرك من الحماقة لَكِدْتُ أقول: يسقط عنهم التكليف أصلًا، ولو كانوا يقولون ذلك لتكرَّر في القرآن توبيخهم عليه أكثر ممَّا تكرَّر توبيخهم على قولهم: الملائكة بنات الله، فما باله تكرَّر كثيرًا توبيخهم على قولهم: الملائكة بنات الله ولم يأت توبيخهم على قولهم: الجمادات بنات الله حقيقةً في موضع من المواضع إلا أن يُفرض ذلك في هذا الموضع مع دلالة [٣١٢] السياق على بطلان هذا الفرض كما يأتي إن شاء الله تعالى.
ولأمرٍ مَّا نجد القرآن مملوءًا بمحاجَّتهم في تأليه الملائكة وقلَّما نجده حاجَّهم في تأليه الجمادات. ولو كانوا يقولون ذلك لما عجزوا أن يجيبوا أبا بكر إذ قال لهم: فمَن أُمُّهم؟ أن يقولوا: الأرض مثلًا، وقوم يتردَّدون في