تجمعت له مادة ذلك، ويشهد لهذا أنّه فيما قد وقفت عليه الإحالات، قال فيها:"ذكرناه في الأوهام"، ولم يذكر اسم التهذيب.
وليتدبر القارئ اعتذار الأمير عن تعقبه أوهام المتقدمين، فإنّي لم أرَ في معناه اعتذارًا يضاهيه في المتانة والإقناع. وقد سمعتَ ثناءه البالغ على الخطيب وتواضعه في نفسه، وأوضَح الحالَ في مقدمة "الإكمال" إذ قال: "ولست أدّعي التقدمَ عليهم في هذا الفن ولا المساواة لهم فيه ولا المقاربة، وإنّما أدعي أني تتبعت هذا الفن أوفى ممّا تتبعوه، وصرفت إليه اهتمامي أكثر ممّا صرفوه، وتركت التأويل الضعيف الذي أجعله طريقًا إلى تغليط أئمة هذا الشأن الذين بأقوالهم نقتدي، ولآثارهم نقتفي، ولأنّي كُفيت مؤنة التتبع لما أودعوه كتبهم فخفّ عنّي أكثر الثقل وسقط عني عُظْم العناء".
وقد كان الأمير معنيًّا من صباه بضبط الأسماء، فقد مرّ بك في بيان تاريخ ولادته قوله في ضبط (أبّا)"وثبتني فيه السعيد أبي" وتقدم هناك ما يتعلق به، ولا بد أنّه جرى على ذلك في طلبه العلم، ويشهد لذلك ما يدل عليه كلامه من جمعه كثيرًا من الكتب في التواريخ والنِّسَب بالخطوط الموثوقة، فينقل عن "تاريخ مصر" لابن يونس، ويذكر أنّه عنده بخط أبي عبد الله الصوري الحافظ المتقن، وينقل عن "تاريخ بخارى" لغُنجار، ويذكر أنّه عنده بخط غنجار المؤلف، وينقل عن كتاب شبل بن تكين في النِّسب، ويذكر أنّه عنده بخط شبل، وهكذا يقول في كتب أخرى "بخط ابن الفرات ــ بخط ابن عبدة النسابة ــ بخط علي بن عيسى الرَّبَعي، في كتاب أحمد بن محمد بن سعيد بخطه في نسب حمير"، ونحو ذلك في نسب قضاعة وغيرها ويبين في مواضع أسانيده بهذه الكتب عن أهلها المتقنين لها