أقول: وإيضاحه أن المشركين ربما يقولون: إن لم يكن هناك إناث غيبيات هن بنات الله وهن الملائكة فإننا نعبد اللَّات والعُزَّى ومناة قائلين: إنهن هنَّ الملائكة فنحن بعبادتهن عابدون للملائكة, والملائكة مقرَّبون عند الله تعالى اتفاقًا فيشفعون لنا بعبادتنا إياهم، ولا يضرُّنا الخطأ في وصفهم بأنهم إناث وأنهم بنات الله، فردّ الله تعالى عليهم بأنَّ هذا تمنٍّ منهم وليس للإنسان ما يتمنَّى.
وقوله تعالى: {فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولَى (٢٥)} جواب والله أعلم عما يمكن أن يقوله المشركون وهو: ليس للإنسان كلُّ ما يتمنَّاه ولكن قد يحصل له بعضُ ما يتمناه, فكأنه قال: ولكن تمنِّيكم الشفاعة من الملائكة لا يحصل لكم منه شيء لأنه ليس للملائكة من الأمر شيء لا في الآخرة ولا في الأولى.
وقوله تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (٢٦)} فيه جواب ــ والله أعلم ــ عما يمكن أن يقوله المشركون، كأنهم يقولون: لا ريب أن لله الآخرة والأولى, ولكن الملائكة مقرَّبون عنده, فإذا شفعوا لأحد عنده [٣٢٠] قبِل شفاعتهم, فكأنه تعالى قال: وكيف تغني شفاعتهم إن شفعوا بدون إذنٍ منه تعالى لهم، ولا رضًا بشفاعتهم؟ أي: وما الذي يضطرُّه عزَّ وجلَّ إلى قَبول شفاعتهم فيما لا يرضى وهم عبيده ومملوكون له, وبفضله ومَنِّه حصل لهم القرب منه, وهو الغنيُّ عنهم وعن غيرهم؟