وفي قوله:{إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ} إشارة إلى أنَّ الشفاعة عند الله تحتاج إلى الإذن، فيُفهم من هذا أنَّ الملائكة لا يشفعون بدون إذنه أصلًا لما عُلم من خوفهم من ربكم (١) عز وجل وإجلالهم له، وقد صرَّح بهذا في آية الكرسي وغيرها.
ثمَّ قال عزَّ وجلَّ: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى (٢٧)} هذا صريح فيما قدَّمناه أنَّ اللات والعزى ومناة أسماء سمَّى بها المشركون الإناثَ الخياليَّات اللاتي يزعمون أنها الملائكة، وقد تمحَّل المفسِّرون لتأويل هذه الآية فقالوا: يعني قولهم: بنات، وهذا كما تراه. فإنه لو قيل لك: فلان يسمِّي أبناءه تسمية الإناث لما فهمتَ إلَّا أنه يضع لهم الأسماء المختصة بالإناث كأن يُسمِّي أحدهم سُعدى [٣٢١] والآخر ليلى، ونحو ذلك.
وكأنه لعلم الله عزَّ وجلَّ ما سيقع في الآيات السابقة من الاشتباه أوضح المراد بهذه الآية، ولله الحمد.
وفيما تقدَّم وبَّخهم بجعْلهم لأنفسهم الذكور وجعْلهم له الأنثى, ثم دفع شبههم في الشفاعة لأنها مقصودهم الأعظم وعليها يبنون شركهم, ثم وبَّخهم على تسمية الملائكة بأسماء الإناث.
ولعله بقي شيء من لطائف هذه الآيات أدعه الآن لغيري. ولكلِّ متدبِّر في القرآن رزق مقسوم، ولا يخيب من اجتناء ثمراته إلا المحروم، نسأل الله ألَّا يحرمنا من فوائده بفضله وكرمه.