للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والبصريين، فإنّه لا يقوم لذلك إلا من أتقن المذهبين وعرف الأصول التي تُبْنى عليها العلل والمقاييس عند الفريقين.

وأمّا الشعر فدونك كتابه "الشعر والشعراء" وكلامه فيه وما ذكره في تراجم الشعراء ممّا يختار للشاعر وما يعاب عليه، وكذلك ما اختاره في كتابه "عيون الأخبار"، فأمّا هذا الكتاب "المعاني الكبير" فحدّث عنه ولا حرج.

كان العلماء كالأصمعي وابن الأعرابي وغيرهما يظهرون التعصب على المُحْدَثين من الشعراء، ويزعمون أنّ الفضل كله للمتقدمين، ذكر إسحاق الموصلي أنّه أنشد الأصمعي هذين البيتين:

هل إلى نظرة إليك سبيلُ ... يرو منها الصّدي ويُشْفَى الغليلُ

إن ما قلّ منك يكُثر عندي ... وكثيرٌ ممن تحبّ القليلُ

فقال الأصمعي: "هذا الديباج الخسرواني، هذا الوشي الإسكندراني، لمن هذا؟ " فأخبره إسحاق أنّ البيتين له، فقال الأصمعي: "أفسدته أفسدته، أما إن التوليد فيه لبين" (١)، وقال ابن الأعرابي: إنّما أشعار هؤلاء المُحْدَثين مثل أبي نواس وغيره مثل الريحان يشمّ يومًا ويذوي فيرمى به، وأشعار القدماء مثل المسك والعنبر كلّما حركته ازداد طيبًا" (٢) فأنكر ابن قتيبة هذه الطريقة.

قال في مقدمة كتابه "عيون الأخبار": "مذهبنا فيما نختاره من كلام المتأخرين وأشعار المُحْدَثين إذا كان مُتخيَّر اللفظ، لطيف المعنى، لم يُزْرِ به


(١) الأغاني ٥/ ٧١. [المؤلف].
(٢) الموشّح ص ٢٤٦. [المؤلف].