[٤١٥] الأجرام السماويَّة، فما بلغت قوَّتك العلميَّة والعمليَّة إلى أن تحدث فيها سمعًا وبصرًا، وأن تغني عنك وتضرَّ وتنفع، وأنك بفطرتك وخلقك أشرف درجةً منها؛ لأنك خُلِقْتَ سميعًا بصيرًا، ضارًّا نافعًا، والآثار السماوية فيك أظهر منها في هذا المتَّخذ تكلُّفًا، والمعمول تصنُّعًا، فيا لها من حيرةٍ إذ صار المصنوع بيديك معبودًا لك، والصانع أشرف من المصنوع، {يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (٤٤) يَاأَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا} [مريم: ٤٤ - ٤٥]، ثم دعاه إلى الحنيفيَّة الحقَّة {يَاأَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا} [مريم: ٤٣]، {قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَاإِبْرَاهِيمُ} [مريم: ٤٦] (١).
فلم يقبل حجَّته القوليَّة، فعدل عليه السلام إلى الكسر بالفعل {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ} فقالوا: {مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا} [الأنبياء: ٥٨ - ٥٩]، {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ (٦٣) [٤١٦] فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ (٦٤) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ} [الأنبياء: ٦٣ - ٦٥].
فأفحمهم بالفعل حيث أحال الفعل على كبيرهم، كما أفحمهم بالقول حيث أحال الفعل منهم، وكلُّ ذلك على طريق الإلزام عليهم، وإلا فما كان الخليل كاذبًا قطُّ.
ثم عدل إلى كسر مذاهب أصحاب الهياكل، وكما أراه الله سبحانه
(١) هكذا جاء ترتيب الآيات في كتاب الشهرستانيِّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute