للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتعالى الحجَّة على قومه قال: {وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ} [الأنعام: ٧٥]، فأطلعه على ملكوت الكونين والعالمين تشريفًا له على الروحانيَّات وهياكلها، وترجيحًا لمذهب الحنفاء على مذهب الصابئة، وتقريرًا أن الكمال في الرجال، فأقبل على إبطال مذهب أصحاب الهياكل {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي} [الأنعام: ٧٦]، على ميزان إلزامه على أصحاب الأصنام {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} , وإلا فما كان الخليل عليه السلام [٤١٧] كاذبًا في هذا القول، ولا مشركًا في تلك الإشارة.

ثم استدلَّ بالأفول والزوال والتغيُّر والانتقال بأنه لا يصلح أن يكون ربًّا إلهًا، فإن الإله القديم لا يتغيَّر، وإذا تغيَّر [احتاج] (١) إلى مغيِّر، وهذا لو اعتقدتموه ربًّا قديمًا وإلهًا أزليًّا، ولو اعتقدتموه واسطةً وقبلةً وشفيعًا ووسيلةً، فالأفول والزوال أيضًا يخرجه عن الكمال, وعن هذا ما استدلَّ عليهم بالطلوع، وإن كان الطلوع أقرب إلى الحدوث من الأفول، فإنهم إنما انتقلوا إلى عمل الأشخاص لِما عراهم من التحيُّر بالأفول، فأتاهم الخليل عليه السلام من حيث تحيُّرهم، فاستدلَّ عليهم بما اعترفوا بصحَّته، وذلك أبلغ في الاحتجاج.

ثم لما {رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ} [الأنعام: ٧٧].


(١) في الأصل والطبعة التي نقل عنها المؤلِّف: (فاحتاج)، والتصحيح من مطبوعة محمَّد سيِّد كيلاني.