للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تقريريٌّ، أي: أم الذي خلق السماوات والأرض خيرٌ مما تشركون؟ ولا ريب أن هذا لا يصحُّ إلا إذا كانوا يقرُّون بأن الله تعالى هو وحده الذي خلق السموات والأرض، وأنه لا حَظَّ لشركائهم [٤٦٨] في ذلك، وهكذا يُقال في الباقي، ولهذا احتاج المفسِّرون إلى تأويل قوله تعالى: {أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ}، وقد علمتَ أن الإعادة إذا حُمِلت على ما يقع من إعادة الخلق مرَّةً بعد مرَّةٍ في الدنيا كان الكلام على ظاهره، والله أعلم.

والآيات في هذا المعنى كثيرة، فإن كلَّ آيةٍ ذكر الله تعالى بها نفسه بأنه الخالق أو الرازق أو غير ذلك من نعوت الكمال، وكان مساق الكلام على إقامة الحجَّة على المشركين، فهي من هذا القبيل؛ إذ لو لم يكن المشركون يقرُّون بأن الله عزَّ وجلَّ هو وحده فالق الإصباح وجاعل الليل سكنًا إلخ، لكان ذكر ذلك دعوى فقط لا تكون حجَّةً عليهم في إبطال شركهم، والحكيم لا يحتجُّ بما هو دعوى مجردَّةٌ.

ومن هذا القبيل: الفاتحة، فلولا أن المشركين يعترفون بأن الله عزَّ وجلَّ ربُّ العالمين الرحمن الرحيم مالك يوم الدين لما كان في ذلك حجَّةٌ عليهم، يَثبُت بها ما تضمَّنه قوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ [٤٦٩] وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.

فإن قلت: فإنهم لا يؤمنون بيوم الدين، قلت: لكنهم لو قيل لهم: إذا فُرِض أن يوم الدين حقٌّ، فمَن يكون مالكه؟ لقالوا: الله.

فتدبَّر هذا المعنى حقَّ تدبُّره، ثم اقرأ القرآن تجدْه مملوءًا بالحجج على أن المشركين كانوا يعترفون بالله عزَّ وجلَّ وصفاته، وإنما نازعوا في انفراده باستحقاق العبادة، والله أعلم.