للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسعود، عن أبيه أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - علّمهم التشهُّد فذكره قال: فقال ابن عباس: إنما كنا نقول: السلام عليك أيُّها النبيُّ إذ كان حيًّا، فقال ابن مسعودٍ: «هكذا عُلِّمْنا، وهكذا نُعَلِّم»، فظاهره أنَّ ابن عبَّاس قاله بحثًا وأنَّ ابن مسعود لم يرجع إليه، لكن رواية أبي معمر أصحُّ؛ لأنَّ أبا عبيدة لم يسمع من أبيه، والإسناد إليه مع ذلك ضعيفٌ» (١).

[٥٤٣] والحاصل أنَّ الخطاب فيه ليس على بابه، وإنما هو على التنزيل أي تنزيل الغائب منزلة الحاضر للدَّلالة على استحضاره في الذهن, كأنَّ ذلك تنبيه للمصلِّي على تحرِّي متابعة النبي - صلى الله عليه وسلم - في أقواله وأفعاله. وهذا التحرِّي يحمل على استحضار النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - في الذِّهن حتى كأنَّه حاضر يرشد إلى أعمال الصلاة والمصلِّي يتابعه.

وقد كان الصحابة يقولون ذلك في حياته - صلى الله عليه وسلم - سرًّا بحضرته أو غائبين عنه، وإنما عدل عنه مَن عدل بعد وفاته - صلى الله عليه وسلم - لئلا يظنَّ الجهال أنَّه خطاب حقيقي، ورأوا أن تَوَهُّمَ ذلك كان بغاية البعد في حياته صلَّى الله عليه وآله وسلَّم، أمَّا بحضرته فالمصلي يقول: لو كان خطابًا حقيقيًّا لشُرِعَ لي أن أرفع صوتي حتى أُسْمِعَه، كما أنني لو أردتُ أن أسأله عن شيء أو أستأذنه في شيء أو إخبارَه (٢) بشيء كان عليّ شرعًا وعادة أن أخاطبه بحيث يسمع كما يسمع غيره بحسب العادة.

وأما مَن بَعُدَ عنه فكذلك؛ لأنَّه يقول: لو كان خطابًا حقيقيًّا لكان عليَّ أن لا أقوله إلا بحضرته فأسمعه كما يسمع غيره على ما جرت به العادة، كما لو


(١) فتح الباري ٢/ ٢١٢ - ٢١٣. [المؤلف]
(٢) كذا عطفًا على المصدر المسبوك من قوله: «أنْ أسأله».