للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أردتُ سؤاله أو استئذانه في شيء أو إخباره بشيء كان عليّ أن أذهب إليه فأقرُب منه بحيث يسمع صوتي، ثم أرفع صوتي فأكلِّمه.

وأما بعد وفاته صلَّى الله عليه وآله وسلَّم فإنَّه لم يَبْقَ ممكنًا لأحد أن يقرُب منه فيخاطبه فيُسمعَه على حسب ما هو معروف في العادة، [فإنه يعرف] (١) الإنسان من نفسه أني لو أردتُّ استئذانه صلَّى الله عليه وسلَّم، أو إخباره بشيء لكان عليَّ أن أذهب إليه وأقرُب منه وأرفع صوتي فأسمعه كما جرت به العادة في غيره.

فما بقي إلا احتمال ما هو على خلاف العادة، وإذا انفتح هذا الاحتمال لم يكن له حدٌّ يُوقَف عنده.

ورأى الآخرون أنَّ توهُّم الجهَّال كونه خطابًا حقيقيًّا بعيدٌ؛ لأنَّ القرائن العقليَّة والعاديَّة والشرعيَّة الصارفة عن الحقيقة واضحة، والناس يقولون إلى الآن: رحمك الله يا فلان، ويكون فلان قد مات منذ زمان، ودُفن بعيدًا عن القائل بمراحل، والقائل لا يشك أنَّ فلانًا لا يسمعه، وإنما أراد: رحم الله فلانًا، وذكر الله فلانًا بخير، ولكنَّه أتى بلفظ الخطاب دلالة على شدَّة استحضاره فلانًا في ذهنه، والقرينة الدالَّة على أنَّ الخطاب هنا مجاز هي ما عرفه الناس من العادة أنَّ [٥٤٤] الغائبَ والميِّت لا يسمع.

وذِكْرُ الميت بلفظ الخطاب لا تكاد تخلو عنه مرثيَة من مراثي العرب.

وفي شعر مُهَلْهِلٍ كثيرٌ منه، مع أنه القائل (٢):


(١) كُتبت الكلمتان بعضهما فوق بعض، وهذا الذي ظهر لي.
(٢) انظر: الأمالي لأبي علي القالي ١/ ٢٤ والزِّير هو الذي يكثر من زيارة النساء وينشغل باللهو بهنَّ عن طلب المعالي، يقول: لو رأى كليب ما صنعتُ بقومه بموضع الذنائب لعَلِم أني غير زِير.